الأربعاء، 12 نوفمبر 2025

كيف أنقذ ابني في المدرسة؟

 أُرسل له مازحة سؤالا كررته مرات كثيرة على مسمعه

"هل أستقيل من المدرسة؟"

ويمر على خاطري طالبة الثانوية التي امتلأت بالثناء على شرحها لزميلاتها، وتقدمها للشرح بدلا عن معلمتها، وكأنني بتلك الغبطة  التي كانت تجتاح قلبها لتحلق بخيالها إلى المستقبل، قائلة:" يوما ما سأكون معلمة حقا!"

وتمضي السنوات ويتحقق الحلم  الذي ما لبث إلا أن بدّل عباءته الوردية فأضحت مزيجا من ألوان التعب والإرهاق.

وكم تساءلت ما الذي يجعل المعلم رهين الصدمة وهو في ميدانه العظيم؟ حتى أرتني "الخبرة" صنوفا من المنغصات تطل بوجهها كل صباح لتحيي معلما لم تسعفه أنفاس الصباح ليريح صدره من تعب الأيام.

وأنا أعيش هذه الأيام بعيدا عن مدرستي، أستذكر تلك الأوقات التي عدت فيها غاضبة وعازمة على الكتابة لمجتمع يهدم جيلا وتعليما دون شعور، فيصدني الاشتغال والجري عن هذه البغية.

وكأن هذه الرغبة في الكتابة بدأت تتسلل إليّ من جديد رغم البعد، فعسى الله يفتح بيني وبين الحق لعل قلبا يعي ويتدارك!

#يتبع

٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠

أنظر إلى الصورة طويلا في هاتفي، كانت يدي التي تمتد لتربت على طالب يبكي لا يريد القدوم إلى المدرسة، وأهمس لنفسي: أفهم ما تشعر به!

يتردد المعلم كثيرا عن الحديث عن واقعه لأنه سيواجه مجتمعا وأصنافا من البشر لا يتسع لهجومهم صدرُه.

منهم الذين يعششون في السطحية فيصرخون:" إن لم تعجبك الوظيفة دعها لغيرك!"، فلا يرون التعليم إلا وظيفة جالبة للمال، ينبغي على الفائز بها أن يأخذ راتبه وهو صامت.

وهذا المنطق العجيب رأيته اليوم في كلام أحدهم وهو يقول لطالب يذكّر بحقوقهم:" إن لم يناسبك الوضع، دع المقعد لطالب آخر لم يقبل"!

وهذه واحدة من المعضلات التي يتعثر بها الإصلاح، أن يُنظر إلى المُصلح بعين الريبة ويُنبز بالجحود وعدم الشكر، فتنحرف القضية عن مسارها؛ فبدلا من تقويم الخطأ، يُرجم المُصلِح.

وأنا أشد على أيدي المعلمين، وأذكرهم أنه لا يوجد متسع للتردد والخوف من سهام المتربصين، لأن التعليم بات عندنا على شفا حفرة من الانهيار.

وإن جئنا لوصف أساس البلاء وأصله في مدارسنا، فلن أبدأ بالمناهج وتخبط القرارات -وهي من أصناف البلاء- وإنما بهيبة المعلم التي طُمست، وباحترامه الذي هُجر، حتى ليصيبني العجب من طلاب صغار ينتقصون من معلمتهم، بل ويصل ببعضهم أن يلقي الشتائم ويصرخ ولا يبالي!

وللأسف، لا يوجد سر وراء هذا السلوك، بل هو مما يُجهر به في كثير من البيوت دون وعي بالمصير.

فكم من لسان أدمنت الانتقاص من المعلم أمام الأبناء، بل وأشركتهم في الانتقاد الذي قد يخالطه الشتم.

وكم من كلمة في برنامج ألقت النكت والاستهانة بالمعلم

حتى تشبّع هذا الجيل بهذه النظرات نحو المعلم، فلم يعد يلقي له بالا ولا احتراما.

ونحن إن جئنا نتمعن قليلا في ما وراء هذه الكارثة، سنجدها تقع على رأس الأبناء بل والمجتمع بأكمله، فضلا عن مخالفتها لأخلاق المسلم.

وقد رأيتُ هذا جليا في الطلاب وأخلاقهم ومستوياتهم،

فالطالب الذي يتغذى من سموم استنقاص المعلم، لن يرقى في مدارج العلم، ولن يكترث بحصة معلمه، وستعشش الاستهانة في عقله، ويُسجن في فقاعة الغرور، والعكس صحيح.

ولهذا نرى أهل العلم يبدأون كتبهم بباب آداب المعلم والمتعلم.

ولا أزعم بهذا الحديث أنه لا يوجد معلم يخطئ ويقصر، ولكن الآباء الأفذاذ -الذين يحرصون على دين أبنائهم وأخلاقهم وعلمهم- لا يجعلون خطأ المعلم علكة يلوكونها أمام أبنائهم، بل تقودهم حكمتهم إلى الدفع بالتي هي أحسن دون المساس باحترام المعلم في أذهان أبنائهم، بل وتوجيههم إن سمعوا منهم نبرة استنقاص لعلمهم أنّ هذا سيعود وباله عليهم، فضلا عن وقوعهم في إثم الغيبة واعتيادهم عليها.

فإن كنا نريد حقا أن نكون في ركب المصلحين للتعليم في مدارسنا، فلنكف ألسنتنا عن المعلم ولنذكر أبناءنا بمقامه ولنربيهم على آداب المتعلم؛ وبهذا نحوز مفتاحا ذهبيا لإصلاح الأجيال.

ميعاد الحارثية

#يتبع

الثلاثاء، 15 يوليو 2025

الكاتب والجن!

 تمضي هذه السنة مُثقلة بضغوطات كثيرة، فبينما يترنم الناس بإجازاتهم كنتُ أنا أعدّ الليالي خوفا ورجاء،

خوفا من عودة الدوام سريعا، ورجاء أن أجد أياما بسيطة أتنفس فيها.

وأنا أحدث زميلتي ونتواصى على الجهاد والصبر، لمعت في ذهني حقيقة أنني في دوام ل٩ أشهر متتالية ولهذا أصبحتُ عُرضة للتعب والفضفضة الكثيرة، وأنا في داخلي أوقن أنني أُحب هذا السعي، ولا أطيق الحياة من دونه، ومعي موهبة "تطليع الشغل من تحت الأرض"، والحمد لله الذي ألهمني أنّ هذا الجهاد رزق عظيم إن وعينا له، وهو فضل من الله علينا لا يُتاح لكل أحد.

دعوتُ قبل يومين بألا يُبتلى مؤمن بدراسة صيفية أكاديمية بعدما كنتُ أشجع زميلاتي على هذه الخطوة حتى يتخففن أثناء الفصل الدراسي، والحمد لله الذي نجاهن.

ولكن الجانب المنير في هذا الصيف كانت تجربة تعليم الطالبات لمادة العقيدة، وقد كان عمرهن هو العمر المثالي الذي يجعلني أفهم حقيقة هذا الجيل -الذي استوعبت لاحقا أننا كبرنا وأصبحنا لا نعرف بعض اهتماماته-.

 وكطابع حصص العقيدة، كانت حصصنا جدلية، اندهشت في بدايات المركز من جرأة الفتيات على النقاش وأحببتُ هذا كثيرا، حتى جاء ذلك اليوم،

الذي جعلني أكتب لكم هذه المذكرة -بعد انقطاع طويل ومؤسف عن الكتابة-.

كانت الحصة تمضي بسلام وقد قلتُ في نفسي:'الحمد لله موضوع اليوم سيمضي سلسلا وسننهي ما خططنا له"، حتى وقفنا على معنى كلمة "الثقلين"، وما إن عرفت الطالبات المعنى حتى تنقبت وجوههن بالحماس وتنشطت أذهانهن واستعدت كل واحدة منهن بأن تدلو بدلوها، وهذا هو دأب العمانيين، ينشطون عند أي ذكر للجن ويتوارثون هذا الأمر جيلا عن جيل.

حتى بدأت إحدى الطالبات تسرد لنا تفاصيل دقيقة عن الجن واستحضارهم وغرائبهم وأعمالهم -التي قد يجهلها الجن بأنفسهم-، فطرحت عليها سؤالي المعتاد: أنّى لكِ هذا؟!.

قالت:" فلان ذكر في رواية هذا الأمر"

وأنا المسكينة -على نياتي- حسبتها تقصد أنّه ذكر رواية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فطفقت أشرح لهن عن علم الحديث وعلم الرجال والتصحيح والتضعيف وأمثلة على الحديث الموضوع، حتى صرخن بصوت واحد:"أستاذة، تقصد رواية كتاب، قصة!"

فأخذتني الصدمة، فأخبرتها إذن ما يقوله فلان هو محض خيال!

لكن لم يعجبها الرد -وقد كانت تتحدث بكل يقين عن الأفكار التي يطرحها-، فردت:" أستاذة لكنه خرج في لقاء وذكر هذه التفاصيل مع الجن، وأنها حدثت معه حقيقة"

فسايرتها، وقلت لها عرفيني على هذا الشخص، هل هو عالم، وثقة أم من هذا الذي نأخذ منه هذه الأمور.

فأجابت بكل فخر:" هذا كاتب سعودي مشهور" وردّدت كلمة مشهور وكأنها تحمل في طياتها معاني الصدق والحق والثقة.

وفي نهاية الحوار عدنا لدرسنا الأول في العقيدة، إلى مصادر العقيدة ومرجعية المؤمن، ولكن الفتاة بقيت واجمة وكأن ذلك الحوار أساء إلى شخص مقدس تعرفه.

من هذه الحادثة، عدتُ وأنا أتأمل في حال مجتمعنا الذي يُلقي بفلذات أكباده في عالم ممتلئ بالأفكار والخزعبلات دون أن يشعر الولي بخطورة ما يملأ قلب وعقل أبنائه، ودون أن يفكر يوما أن يحاورهم ويُبين لهم المرجعية الصحيحة التي يستقون منها عقيدتهم وأفكارهم؛ فتعيش البيوت ولا هم لها إلا الأكل والشرب والملبس، مغمضة عينيها عن بوصلة الآخرة التي ترشد المؤمن إلى الصواب.

والحمد لله الذي يمنّ على بلدنا يوما بعد يوم بتكاثر المراكز الصيفية، وكثير من أهل الوعي وإن كانوا لم يتمرسوا الحوار مع أبنائهم لكنهم فضلوا أن يلحقوهم بمراتع العلم في هذه المراكز، بدلا من مصيدة الأجهزة والروايات والأفلام!


ميعاد الحارثية 

الأحد، 3 ديسمبر 2023

بين طوفان ونفق

 


       بين طوفان ونفق

يسيل طوفان من الدمع من أعيني الخائفة المترقبة وأنا لا أكاد  أغفو متمتمة بدعاء الاستوداع لأهل غزة، حتى يبدأ الرعب يطاردني، الصواريخ تتساقط والدماء بحمرتها تنطلي على جفاف الأرض والصرخات تترى، فأنهض بهلع مما داهمني وأمسك قلبي لئلا يقفز من مكانه من هول ما شاهده في منامه.

ثم تلمع غزة في قلبي، - التي ما غادرته قط- وأتخيل أهلها وهم يعيشون ما أرعبني حقيقة لا حُلما، فيسيل الطوفان من عيني مرة تلو المرة وأخشى أن يُغرقني ويرديني تحت كومة الركام فلا أجد منه مفزعا، فأتمالك نفسي وأستمسك بألواح ودُسر وأنا أرى الغرقى يستصرخون من حولي.

ومثلما جاء الطوفان لينقذ نبي الله نوح من بطش المفسدين، جاء طوفان الأقصى لينقذنا من غفلتنا ولهونا وسباتنا.

يملأُ قلبي شعور بالفقد كلما سمعت عن شهيد جديد، أبكي عليه وأذكر نفسي بكرامة الإنسان، أيها الشهيد، أنت لستَ رقما بل  نجما أضاء الطريق الدامس لأمة تائهة.

أعجبُ من نفسي وأنا أداري شعور الفقد في قلبي، فرغم مرارته إلا أنني أخشى فقدانه كذلك!

يرسم الجهاد والمجاهدون في قلبي طيف رسولنا الكريم، حبيبنا المجاهد الذي سالت دماؤه لأجل هذا الدين، وهو يردد علينا:

"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". 

إن لم يصبك السهر والحمى يا قلبي لمصاب أخيك المسلم فاعلم أنك ميّت، فلا تبرح عن ميدان التوجع، ولا تبرح عن ترقب النصر.

تُربكني صرخات الغرقى بهذا الطوفان، تربكني غفلتهم عن غرقهم وبذلهم لإنقاذ أنفسهم، يستمسكون لآخر رمق لهم بالتثبيط ولوم أهل الجهاد ومقارعة الحق بأوهام يحسبونها سيوفا تطعن خاصرة هذه الأمة - التي اهتزت وأينعت بعد خشوع ويبس امتد لأعوام مريرة-، وما هي إلا وهم تربع في صدر الجاهل. 

وأنا أرى صراع الناجي والغريق أردد على نفسي دروس هذا الطوفان، دروسا علمني إياها ذاك الشهيد الذي لا تربطني به عائلة ووطن، بل رابطة الدين العظيمة، علمني إياها ذاك المقاوم الشريف الذي يقاتل بوعد الله وبقرآن ملأ جوفه حتى هان عليه الموت، علمتني إياها صرخة الثكالى الصابرة التي اجتازت كل الحدود لتستقر في نفوس الملايين، ولم أجد في حياتي معلما مثل أولئك المخلصين.

حفرتُ نفقا طويلا في داخلي، أنقذ به نفسي من فواجع الدهر وأفتش فيه عن حقيقة اليقين بداخلي، وسط جموع الصابرين الحامدين من أهل غزة.  

 ذاك النفق الذي لا تُبصره أعين الناس ويعلمه الله وحده، أُفتش فيه عن حقيقة السطح وأرسم فيه خططي لأجل الحرية، الحرية من السفاسف والتفاهات، الحرية التي يصل بها المؤمن إلى حقيقة الحياة، إلى الجنة.

ومن تلك الدروس تداعى كُل الزيف الذي يتنقب به الغرب، كُل الحضارات الواهمة التي سلبوا بها لُب عقول الشباب فتماهوا فيها، ولولا الطوفان الذي أذن به الله لما ذابت كُل تلك الزخارف الكاذبة.

ومن تلك الدروس تعالت نفوس الصغار وهممهم، أولئك الصغار الذين طالما ندبنا حظهم أنهم بعيدون عن قضيتهم بسبب السياسات التي لم تأل جهدا للقضاء على فكرة فلسطين، فألقت بها في غيابة الجُب ولم تتصور يوما أنّ الله مُخرج نوره ولو كرهوا.

نفوس الصغار التي امتلأت بفلسطين حتى فاضت لتكون أكثر حرصا من الكبار على قضيتها، وإذ أقف متعجبة من كلماتهم القوية ومن حرصهم البالغ الذي انبثق في شهر بعد تغييب لسنوات، أتذكر قوله تعالى:{وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى}

فالحمد لله الذي سخر الطوفان، وسخر المقاومة لتستفيق هذه الأمة.

ومن هذه الدروس التي لا تعد ولا تُحصى، بزوغ تلك الأخلاق الفطرية التي شوهتها المادية في نفوس البشر، فهبوا من كُل الأعراق يصارعون لأجل كلمة الحق من بعد أن وئدت أعواما طويلة، ومن كان يتوقع أن تخرج كل تلك الجموع الكثيرة لأجل فلسطين؟ فسبحان الحكيم الخبير

والأسى كُل الأسى أن تكون جموع غير المسلمين قد خرجت رجالا وركبانا لتصدع بكلمة الحق، بينما لا يعرف كثير من أهل الإسلام إلا التنديد والصرخات الخجلة، فاللهم استعملنا ولا تستبدلنا.

وأعظم نصر لذاك الطوفان أن ترى الناس يدخلون في دين الله أفواجا، "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم"

فطوبى لمَن دعا الناس بدمه وأهله.

ومن تلك الدروس ما يعجز هذا القلب المكلوم عن بثها، فتبقى زفرة التقصير تدور في شغاف الصدر فيتصبر المؤمن من نفحتها الحارقة بالدعاء الكثير، وباليقين أن النصر لله ولأوليائه الصالحين، راجيا مغفرة الله وخائفا أن تكون منزلته منزلة الخوالف.

{وما النصر إلا من عند الله، إن الله عزيز حكيم}

وإنه لجهاد نصر أو استشهاد


ميعاد الحارثية 


السبت، 14 مايو 2022

إنما الصبر عند الصدمة الأولى

       *إنما الصبر عند الصدمة الأولى*

أكتبُ هذه الكلمات بعدما فاضت نفسي من الصدمة والأسى على ما يكال على ديننا الإسلامي العظيم، ولم أك لأكتبها إلا بعدما شهدتُ انجرار مَن نعرفهم بالالتزام على الدين لصيحات مشوهة لا تريد إلا هدم ركائز الدين، فهي ليست للمكابرين وإنما لمن ضُلل عليهم وهم ينشدون الحق.

-هل المشرك يدخل الجنة؟

أجزم أننا لو طرحنا هذا السؤال في وقت غير هذا الوقت لنُظر علينا بالاستنكار والاستهزاء حتى من الذين سيجيبون بالإيجاب الآن. اتفقت كُل الأمة الإسلامية منذ القدم أنّ الجنة لا يدخلها إلا مسلم. هل كان اتفاق الأمة بسبب أنهم يوزعون صكوك الجنة أو أنهم يتعصبون لدينهم أو لأنهم مرضى قلوب بلا رحمة؟ 

كلا، هم فقط يحكمون بما حكم الله وبما ذكره الله في كتابه العزيز، الذي لو تمعنا فيه لما تخاصمنا وتحاربنا على أمر يعدّ من بديهات الإيمان وركن أساسي في هذا الدين. 

{ومَن يبتغ (غير الإسلام) دينا *فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} 

{إن الدين عند الله *الإسلام* } 

{إنّ الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم} 

وكثيرة جدا هي آيات الله التي توضح هذا الأمر لمن أراد الحق. 

وإن قلنا بأن أهل الكتاب وأهل الشرك يدخلون الجنة فما فائدة الدعوة للإسلام وما فائدة رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وما فائدة القرآن؟ لماذا يدخل النصارى واليهود الإسلام وهم يكفيهم أن يحسنوا لغيرهم وسيدخلون الجنة؟ فليبقوا على اعتقادهم فهم لا يؤدون الصلاة ولا يصومون ولا يؤتون الزكاة وهذا لا ريب هو أقل جهدا عليهم. تالله إنّ هذا لزعم عظيم وتحسبونه هينا. 

إن كانت الأمور واضحة لهذه الدرجة ويسرها الله للأفهام، فلماذا حدثت تلك الضجة؟ لأنك ضعيف أيها الإنسان، ضعيف جدًا تجرك عاطفتك حتى تجعلك تميل عن عقيدتك الثابتة، وتجعلك - والعياذ بالله- ترى الحكمة والرحمة في غير ما أراده الله، فانتبه. 

ولأن هناك من مرضى القلوب من يستغلون كل حدث لتشويش حقائق الدين وإبعاد المسلمين عن دينهم، فيذكرون لك آية:" إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" ويزعمون أن كُل هؤلاء سيدخلون الجنة وإن اتبعوا كتبهم المحرفة، والحقيقة أنّ هذه الآية إنما تذكر أحوال الأمم التي جاءت قبل بعثة النبي والتي لم تصلها حجة الإسلام، فمن رحمة الله بهم أنهم إن بقوا على الإيمان الصحيح الذي جاء من الأنبياء السابقين فهم في أهل الإيمان. وإن زعمتَ غير ذلك فأنت تحكم بالتعارض على آيات القرآن.

فلنتأمل في أوضاعنا، إن كانت عقيدتنا هُدمت لفقد غريب فماذا سيحدث لها لفقد القريب؟ ولنا في قصص الأنبياء عبرة ومنهم نبينا إبراهيم عليه السلام: ﴿وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه (فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) إن إبراهيم *لأواه حليم*﴾، إبراهيم كان حليما ولم يك قاسيا لأنه تبرأ من أبيه لأنه خالف دينه الإسلامي: ﴿ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن *كان حنيفا مسلما* وما كان من المشركين﴾. 

وإني لأعجب لحال المُعاند الذي يُبصّر بحكم الله ثم يصر على رأيه، وكأن الجنة ليست بيد الله الذي حكم عليهم بحكمته وعدله. 

وهذا الحكم الأخروي لا يتعارض أبدا مع القسط والبر والإحسان لمن هم على غير ديننا بل هو أمر من أوامر الإسلام، والتعامل الحسن ومشاعر الفقد والحزن وذكر المناقب الحسنة من فطرة الإنسان التي فطره الله عليها وهو من خُلق نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام. 

لكن لا يجعلنا هذا الحزن نغيّر حُكم الله، لأن عبادة الله فوق كُل شيء. ولو جاء شخص غير مسلم عُرف بكثرة الخير والإحسان إلى الناس ولكنه يرى من خلفيته التأريخية المزعومة أنّ أرض المقدس هي حق لإسرائيل لدعونا عليه بجهنم، فكيف بالإنسان الخيّر الذي ينقص من كمالات الله ويزعم أنّ لله ابنا ويشرك بالله غيره، أنهوّن حق الله؟ 

مع التنبيه أننا لا نجزم بالجنة والنار على الشخوص لأنه أمر الله ولكننا ندين ونؤمن بحكم الله أنه مَن مات على غير الإسلام فلن يدخل الجنة ولا نعاند وندعو للمشرك بالجنة وقد سبق حكم الله عليه. 


الخميس، 28 أبريل 2022

ماذا حدث في ليلة ٢٧ رمضان؟

 جاءت ضاحكة مستبشرة وعيناها تترقرق فرحا:"ثلاث مصليات، ما هذا الكرم؟!"

إيه يا خالتي لقد فاضت الثلاثة مصليات وتزاحمت القلوب على أبواب الكريم فما ألذّ ذلك الزحام!

نحاول مغادرة البيت مبكرا خشية ألا تتسع الأرض لسيارتنا فلا نجد موقفا، وما إن يطل علينا الجامع بشموخه حتى نرى الناس يترجلون من سياراتهم وقد وصلت إلى الشارع وجميع المداخل مغلقة بسبب الازدحام، وخطوات الذين آثروا المشي للمسجد تُسبّح الله وتفرّ إليه مسرعة.

فُتحت المصليات الثلاث الواسعة للنساء وامتلأت الساحة الخارجية من الجموع، رأيتُ هناك الشابة وكبيرة السن التي تُقاد والطفلة التي غلب حجابها طولها.

 رأيتُ تلك السيارات التي تحمل عائلات كاملة صغارا وكبارا وتلك الصبية تسحب برنوصها معها، رأيت الحائض وهي تسترق النظر إلى المصلى لكي لا يفوتها المشهد! 

لم تك الحائض تشعر بالغربة لأن نسوة كثر مثلها لم يعذرن قلوبهن من شهود التهجد.

كان التأمل في كُل اللحظات التي تزينت بها تلك الدقائق المباركة من النعيم المُعجّل، أن يأتي كُل أولئك الخلق حاملين حاجاتهم وشكواهم ويقفون وقفة الرجل الواحد يطرقون باب قاضي الحاجات ويسبحونه خاضعين له، مُلقين بأثقالهم على أعتاب جوده وقد  امتزجت بها العبرات واقشعرت منها النفوس وهي تنصت إلى النداء الواحد: يا الله.

يا للقلوب المملوءة حبّا لله وللقرب منه، ويا للنداءات الخفية والاستغاثات الطويلة التي بدأت منذ أن جرت سورة مريم على لسان الإمام واخترق نداءُ زكريا أعتابَ الفؤاد وطهرُ مريم أخلاق العباد.

كذلكم أنتم، يا مَن تعذّر عليكم شهود الموقف العظيم، وسع الدعاء ذكركم وأسهب في طلبكم وبثّ رغباتكم التي لا يعلمها إلا الرحيم بنا وبكم.

إيه يا رمضان، ما الذي تفعله بقلوبنا الغافلة وجوارحنا المقصرة، أي لطف تلقيه أيامك على أفئدتنا وأي كرم أن تجتمع الأمة في كل بقعة على ذكر العظيم..

اللهم كما باركت في رمضان وساعاته ونسماته بارك في هذه الأمة، اجعلها عابدة قانتة متحدة على طاعتك وذكرك، اسقها من نهر جودك ونصرك حتى ترتوي وتخضر فلا يبقى فيها غافلا ولا معرضا.

 يا رب أسعد بنا قلبَ نبيك الحبيب الذي فاضت عيناه شوقا لنا وفاضت أعيننا شوقا له وللقياه.

يا الله لا تخرجنا من رمضان إلا وقد رضيت ورضيت ورضيت عنا وغفرت لنا وبدلت حالنا إلى أحسن حال، نعوذ بك أن يخرج رمضان ونُردّ على أعقابنا غافلين ملتهين بزينة الدنيا.

انظر إلينا بكرمك ورحمتك ولطفك يا الله.


ميعاد الحارثية 

الجمعة، 1 أبريل 2022

مرضٌ عضال، كيف تتجنبه؟

 مرضٌ عضال، كيف تتجنبه؟ 


تُعيدني الذاكرة إلى أيام بعيدة يومَ أن كُنّا طالبات في المدرسة، وكأنّي جالسة على ضفة شاهقة أتأمل علاقاتنا الاجتماعية مع بعضنا أيام الإعدادية، وكيف أنّ بعض المواقف تنحفر في الذاكرة ولا تزول.

كانت شخصيتي المعتادة ظاهرة، الفتاة التي لا تُحب الجموع وصداقاتها خاصة ولا تعلم كيف تتواصل مع غيرهن إلا لأجل الدراسة والشرح. كنتُ مملوءة "بشلة" من الفتيات أندمج معهن ولا أذهب مع غيرهن ولا ألتفت لمَ يقال عن هذه المتفوقة المتكبرة التي لا تمشي مع أي فتاة.

جاءتني يوما طالبة متفوقة ولم تك من الشلة وعلاقتنا سطحية وأخبرتني أنها تودّ أن تكون صديقتي ولم أمانع. كنا أحيانا نمشي معا، فقالت لي يوما:" أنا أريد أن أكون صديقتك ولكني أتمنى أن تموتي"، ضحكت يومها وتعجبت، فعللت هذا بأنها لا تريد أن أسبقها بتفوقي. لم نستمر معا لأكثر من شهر كما أحسب، ولكن بقيت كلمتها تراودني وكنتُ في كل مرة أتذكرها  يعتريني الضحك من "سوالف الطفولة".

حتى كبرت وبدأت هذه الظواهر تظهر ثانية في حياتي، وفي هذه اللحظات كنت أعي جيدًا أنّ هذا مرض خطير يصاب به الناس يسمى:"الحسد".

دائما أتحدث عن أمراض القلوب ودقتها ووجوب الانتباه لها ولكنّي كنتُ أُلقي بالحسد جانبا؛ لم أك أتصور حدوث هذا حقيقة حتى شاهدت أناسا انتقلوا من كتمان حسدهم إلى إلقائه جهارا دون أي احتراز أو خجل.

لم تك أعينهم فقط هي التي تبين الغيظ في قلوبهم، بل كانت ألسنتهم تنطق بكلمات أُصاب بالدهشة حيالها، كيف يُمكن أن يُبدي إنسان هذا العيب بداخله للملأ ويفصح بالذي في نفسه عن الآخرين وهم لا ذنب لهم إلا أنّ الله فضلهم برزق عن غيرهم.

علمتُ حينها أنّ الحسد ليس "سوالف طفولة"، وإنما مرض خبيث يجب أن يبحث عنه كل منّا في حجرات قلبه وفي عثرات لسانه وفي بنات عقله حتى لا يتمادى فتنبعث آثاره في كلماته وصاحبه في غفلة يتمرغ في نار الغيظ ولا يدري بأنه مصاب به.

بعدما كسرتُ الكثير من الحواجز في تعاملي مع الناس، عدتُ بعد دهشتي من هذا الأمر إلى بناء حواجز جديدة، إلى الفتاة التي تجلس في حالها إلا من قلة تصاحبهم. 


-يا صاحبي- أنتَ عندما تؤمن حق الإيمان بأنّ الله هو الرزاق فلن تحدثك نفسك عن كيف تستولي على رزق غيرك، بل ستسعى؛ لأنك تعلم أنّ الله قادر على أن يرزقك مثلما رزَقه. وستعلم أنّ بمرضك هذا لن تصل إلى مكان حتى وإن تحوّل مرضك إلى أفعال وعقبات تحاول أن ترصها أمام مَن تحسده.

ليس لهذا الإنسان إلا قلبه، فإن لم يتعهده بالطهارة الدائمة والمراقبة فماذا بقي له للوصول إلى مرضاة الله؟


ميعاد الحارثية 

الجمعة، 29 أكتوبر 2021

أيامي..

 قبل شهر تقريبا وفي لُجة الاشتغال الشديد الذي أصبح عنوانا لأيامي حضرتُ لقاء لعبدالله بن عمر يذكر فيه عن ٧ أخطاء قاتلة يقع فيها الكتّاب، ومنها الخوف.

الخطأ الذي نهرب منه بالتجاهل والتوقف التام عن الكتابة بحجة تخمة دقائقنا بالأعمال التي لا تنتهي. نهرب وتلح علينا الكتابة إلحاح الطفل العنيد لنيل بغيته، وقلب الأم يعتصر ألما مهما حاولت ألا تلتفت.

هأنا ذا أكتب بعد تحد استمر ثلاثين يومًا أردتُ به نقب جدار الخوف وترطيب أيام الجري بحروف ندية، ولكن كل هذا لم يحدث، توقفتُ عن الكتابة ضريبة توقفي عن قراءة الأدب، رغما عني.

سلكتُ طريقًا جديدًا أشعر به يلتهم كل طاقتي، ويجبرني في أحايين كثيرة على الانهيار، ولكنه الطريق الذي أُحب وأهوى.

كتبتُ منذ سنوات في مساحة التعريف في تويتر:"امتزجت الشريعة بالأدب والكيمياء"، لم يك أبدًا مجرد تعريف عابر بل هو الدماء التي تجري في جسدي والشغف الذي أبى الخمود.

هأنا أدرس الشريعة!

نكاد نصل إلى منتصف الفصل الدراسي الأول وعقلي يأبى الاستيعاب، أنا حقا هناك، طالبة في كلية العلوم الشرعية أتنقل بين القاعات والمكتبة وأجلس في العشب الأخضر وأتأمل القمر مزهوا في سماء الكلية.

أخرجُ كل فجر إلى المدرسة، وأعلق في زحمة المعبيلة، قبل أشهر لم أك أتخيل قيادتي في مسقط واليوم أنا أخوض الصراعات مع السيارات لأجل دخول الحارة التي تتحرك أسرع في الشارع!

سورة البقرة تصاحبني دائما، المقرر الواجب علينا حفظه في الكلية والذي لولا الزحمة الشديدة في الشارع لم أجد وقتا لمراجعته.

أصل إلى المدرسة متأخرة في العادة بضع دقائق ليشرع دمي بالغليان من أول لحظة، أنظر إلى جدولي الذي يرهقني، الحصة الأولى كل يوم والأنصبة المرتفعة التي تصيبنا في مقتل.

ألملم الأوراق بسرعة وأنسخ ما أحتاجه لحصتي الأولى وأقلب الكتاب لأتأكد من درس اليوم وأجري إلى الصف، إلى طلابي، ومواساتي.

في الصف يجب أن أُلقي كُل شيء ورائي، أنسى كل فصول حياتي وأحيا اللحظة.

طلاب الصف الرابع الذين اخترت تدريسهم لعلهم يكونون أكثر التزاما من غيرهم من الطلاب الصغار، أُصبح يوما صديقتهم وفي يوم آخر قد أفقد أعصابي عليهم فيُهدوني بعفويتهم ابتسامة لا سبيل لها إلا البزوغ.

مرةً في خضم حصة الرياضيات واندماجنا الشديد يصرخ طالب-شيمته الهدوء- من الخلف:"أنا عندما أكبر سأصبح معلم رياضيات. لازم!".

سكتُّ رغما عني وقلتُ له:"ستصبح أفضل معلم رياضيات بإذن الله".

لا يعلم طلابي أنّي درستُ لألتقي بحب حياتي "المختبر" ولأعمل في الكيمياء وأمتزج بها فشاءت الأقدار إلا أن أتجه إلى تدريس الرياضيات.

"أستاذة، أجمل حصة حصة الرياضيات، أنا أحب الرياضيات كثيرًا"

تتعجب من ليونة لسان الأطفال، تتدفق الكلمات من قلوبهم دون تردد لينيروا بها أفئدتنا.

ملأتُ ملاحظات هاتفي بأفكار كثيرة أريد تطبيقها ولكن الوضع خانق جدًا في المدارس، عانيت في بداءة تطبيق زيادة أنصبة الحصص ألمًا شديدا في ظهري، أصبح كل شيء صعبا، الوقوف والجلوس والمشي.

أصل إلى الحصة الأخيرة في جدولي وأنا ألتقط أنفاسي بصعوبة وأشعر بالعجز من إعطاء المزيد، أشعرُ بالذنب ولكنّي أعلم أنّ ما يحدث فوق طاقتنا وهناك مَن يحسبنا آلة يرمي علينا كل يوم المزيد من العمل ويريد أن يرى النتائج المبهرة!

يحزّ في خاطري وجود طلاب في صفي لا يجيدون قراءة وكتابة أبسط الأرقام والأعداد، وأريد أن أحميهم بالعلم ولكن أين الثغرة في الوقت التي ستنجدني أنا قبلهم؟

أحلم بأشياء كثيرة عسى أن تخفف الأيام وطأتها الثقيلة عليّ وأحققها. 

يبدو أنّ هذه المذكرات طالت قبل أن أخبركم عن الكلية وأجوائها. 

#يُتبع... ربما

كيف أنقذ ابني في المدرسة؟

 أُرسل له مازحة سؤالا كررته مرات كثيرة على مسمعه "هل أستقيل من المدرسة؟" ويمر على خاطري طالبة الثانوية التي امتلأت بالثناء على شرح...