الخميس، 5 مايو 2016

خلف ستار السكن الداخلي


حيوات تتوافد على المرء فتصيبه بضيم وسُكن وتتلون له فتنةً؛ لعله يرى في انعكاساتها مَن هو، ويكون على نفسه بصيرة لا مناص لقلبه من أن يصدع بحقيقته لعله يرجع أو يكون من الذين استيقنت أنفسهم فأبوا إلا تكبرًا وغرورًا، يراهم الملأ أوتادًا شامخة وهم ليسوا إلا عهنًا يلعب به الريح أنّى يشاء.
...
هاهو الحلم الذي كابدت الليل من أجله يأتي ليأخذ بيدها لتسكنه.. قدّمت رجلها اليمنى متمتمة بدعاء التوكل والتوفيق، وابتسمت لمرأى زميلاتها يشاركنها الحلم في نفس البقعة المباركة..
تصل إلى سكن الطالبات وتضع أغراضها ولا تفوّت عليها فرصة اكتشاف المكان الذي سيحويها لسنوات طوال.. كانت سعيدة.. المكان شبه فارغ إلا من فتيات مثلها بدت في وجوههن سيماء الاستكشاف والتنبيش..
طرقَ الفضول مخيلتها وبدأت تغوص فيما يعظمه محيطها (الحياة الجامعية)!

ما هي إلا أسابيع تتوالى حتى تسللت الغربة المُوحشة إلى صدرها وأصبحت صامتة متأملة منقبضة الفؤاد عند كل صورة عجيبة عنها وعن مجتمعها..
كان الاختلاط يضغط على عنقها ويحشرج صوتها لترثيها الأيام والكلمات بأن الوضع سيصبح طبيعيًا عند بداءة الدوام الحقيقي.. 
كانت تترقب خائفة، تتنقب بغلاف الفتاة المسؤولة المتماسكة..
هاقد أتى المساء الذي تتوافد فيه الطالبات جميعهن إلى السكن، وكطالب الصف الأول الذي يراقب طالب الصف الرابع احترامًا وتعظيمًا، كانت تنظر للطالبات اللاتي يكبرنها سنًا..
مرت أيام خاطفة وحفيظتها تشتعل للتشوه الذي أصاب صورها المتزينة في مخيلتها عن السكن وأهله..
دعت الله أن يفرغ عليها صبرًا ويثبت أقدامها!
كانت تتساءل دائمًا:" أحقًا كل هؤلاء الفتيات هكذا في بيوتهن؟"
وكانت صاعقة ال(لا) التي تصرخ بها فطرتها ومعرفتها بحال مجتمعها الذي يسمى محافظًا  تجيبها دائمًا..
كان جسمها يحترق وهي تذهب إلى مطعم سكنها وترى معظم الفتيات شبه عاريات بملابسهن الضيقة وأغطية الرأس المهملة المرمية بعشوائية حتى أصبحت لا فائدة منها والعمال ينظرون!
كانت صور النفاق أوضح مما يظن الغريب الذي لم يجرب دخول السكن، فقد كان سكان السكن بحالهم المُرثى له والبعيد بُعد المشرقين عن دينهم الذي اتبعوه ومجتمعهم الذي عاشروه لا يبالون بالسيارات الداخلة ولا يحاولون ستر ما أُوجب عليهم متسلحين بكلمة (هذا بيتنا) أفنمنع فيه من ممارسة حريتنا؟
كم تخيلتْ فكرة أن يجتمع أهل هؤلاء الساكنات فجأة ليروا أعمال بناتهم اللاتي لا يألين جهدًا في التستر عند نهاية الأسبوع للعودة إلى منازلهن!
كانت تعلم أن هذه مصيبة كبرى قد تشل الأهالي عندما يصدمون بالواقع ولكن هذا جزاء التعسف في التربية، وموت العقيدة التي تجعل المرء عابدًا للمجتمع وما إن يخلو له الطريق وتغيب أعين مجتمعه يسرح ويمرح مُخادعًا غافلًا..
...
في ليلة ظلماء وقد كانت وحدها اقتربت منها فتيات كان اللطف عنوانهن، تعرفن عليها وأبدين اهتمامهن بها..
سُرّت لقدوم الملجأ إلى مكانها ولتقشع ليل وحدتها الكئيب، ورأت من رفيقاتها الجديدات متكأ متينًا عند صعوبات الحياة..
لم تكن لياليها أجمل مثلما تصورت، كانت تعيش كل ليلة مشتتة بين حديث الفتيات وتَزْينهن وبين ضميرها الصارخ..
أصابها الأرق؛ وأرادت التخلص، ومُدت لها يد الدواء القاتل المختصر في قناعات مريضة من أعين متربصة..
شربته وغرقت.. هي اليوم من ثلة الفتيات اللاتي خلعن الحياء بحجج واهية مستغلات سذاجة الآباء وغيابهم، مترنحات في ظلم الغي مستهينات بأعين مارين محتجات بأنه لا أحد يهتم بالنظر إليهن ونسين عين القيوم لا تنام.




رسالة أصوغها بفؤاد يحترق إلى الوالدين: إن لم تُنشئا أبناءكم على عقيدة سليمة ثابتة فلا تأمنا غيهم من ورائكم.
انتبهوا لبناتكم، وذكروهن دائمًا، فالحال قد أدمانا وكبر علينا ما نراه من سقطات تتوالى في حضيض الحرية والتخلع.
لا تغترا بتربيتكما بل راقباها دائمًا.
وأنتِ يا من تملكين زمام الأمة بيدك: ثباتًا يُبقيك شامخة خير من اتباع أعمى يُرديك صريعة وإن لم تلحظك أعين مجتمعك المُقدس!
فاثبتي وتخيري الصحبة الصالحة وذكري نفسكِ دائمًا وذكري من حولك من فتيات.

ميعاد الحارثية

بين طوفان ونفق

         بين طوفان ونفق يسيل طوفان من الدمع من أعيني الخائفة المترقبة وأنا لا أكاد  أغفو متمتمة بدعاء الاستوداع لأهل غزة، حتى يبدأ الرعب يطا...