الخميس، 17 نوفمبر 2016

{اعملوا على مكانتكم}

        عندما ينسكبُ المدادُ مُسبِّحًا بحمدِ العليم الذي كرّم بني آدم بحاسة تتذوق البيان بل وتصنعه بإذنه حتى يكون سائغًا للشاربين المغمورين بدهشته وسحره..
من هنا تبدأُ نقطة البيان الذي ما إن تلفظ اسمه حتى تتفتح آفاق الوضوح والفهم في رأسك، تمامًا مثلما تتفتح أسرار الغموض المختبئة خلف البلاغة والجماليات كما بانت سعاد من قبل خلف متاهات الحياة، بانت لتتضح وتبني في أذهاننا سُلمًا من الاستكشاف والتنقيب عن المعنى حتى نجد الدهشة الأكبر!
من جاهلية بانت عن الحق وجاء البيان القرآني ليجذبها إليه ويذرها أمة متعجبة منه حتى يوم الوعد وُلِد البيان رحمة من الرحمن الذي علّم الإنسان.
وكما أنّ القرآن جاء عربيًا فكذاك البيان، فطوبى لمن أمسك بقضيب من البيان وصار يخط به الدهشة ليخلد عمله وينطبع على الأفهام ويُدرّس ويكون قدوة لمن بعده كما حدث عند الجاحظ والرافعي والعقاد وأرباب الشعر ومن والاهم.
وما دام المرء يُولد فالله يُعلمه البيان وبهذا يمكننا الحديث عن مستقبل البيان العربي الذي يمر بمدٍّ وجزر في تطوره وخموله، ولأن الغد هو المستقبل واليوم أخو الغد يدلنا على ما قد يحدث فيه, ولأن الحدث يتكون بسبب؛ فإنّا نرى شموخًا عندَ المُتعلمين الساعين الذين تشهدُ لهم نصوصهم بمستقبل بارع في البيان بإذن العليم.


غير أنّ الأسباب التي تنخر تطور البيان العربي كبيرة جليلة، ودراستها وتوعية المجتمع الأدبي بها واجب مُحتم إذا ما أردنا السعي إلى إعادة أمجاد عظماء البيان الأولين.
والسم الأكبر هو أن يحيد ذاك الذي أوحيَ إليه الإلهام والبيان من الله عن المنهج القويم ويتخبأ خلف مسميات التصوف التي لا يعلم عنها شيئًا فيستنقص من الذات الإلهية تعالت عن ذلك، فتراه ينسب صفات النقص إلى الله غير آبه إلا بجماليات نصه التي إن شاء البيان أحرقها بنفسه وألقى بها في غيابات النسيان وهزّ أصحابها هزّة الرجل القوي ليفيقوا قبل أن ترجهم صاعقة التخلف ولن يجدوا فئة تنصرهم من دون الله وما كان لهم مُنتصرا.
وخلف هؤلاء مَن يشجعونهم على منكرهم بالتصفيق لهم وتسليمهم وسام الشهرة والمكنة الأدبية، وهل هناك ما أضاع الشباب المبتدئ غير كثرة التصفيق على ما يستحق وما لا يستحق؛ فحسبوا أنهم ارتقوا إلى الثريا وما زالوا صغارًا يلعبون في الثرى.
وهؤلاء المطبلون ينشرون داء الغرور بين الصغار ويحجمون عنهم الإبداع من حيث لا يشعر الطرفان ولا يحتسبان.
وسلسلة الأحداث متتالية، فالغرور الذي يتملك مَن لم يقرأ سوى كُتب بسيطة قليلة ولم يستمد من نور القرآن وبيانه ولم يمرّ على أستاذ ليقيمه؛ يجعله يُسارع إلى إصدار كتاب بغثه وسمينه، ويا حسرتاه عندما تضاف مثل تلك الكتب الضعيفة إلى مكتبة العربي وهو سعيدٌ بها وموزع لها لينتشر صيته وتتحدث عنه أقاصٍ كثيرة.
وقد تجمعت الأسباب على هذا المسكين فتسابقته دور النشر التي لم يعد يهمها إلا لون الصفحة والغلاف المُنمق والتسابق في النشر والإنتاج.
وتلقفته برامج التواصل وسهولة الوصول إلى أي بقعة يمكن أن تستمع إلى كلامه فيلقيها هناك، مدافعًا عن نفسه خلفَ أي نقد بحرية التعبير وأنّ الكاتب ميتٌ بعد نشر كلامه فلا يهمه ما قال عنه الآخرون.
ولو أنّ الدول العربية تجلُّ البيان وتقدره حقّ قدره لكانت قوانين النشر والإتقان شاهدة عليها، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
إنّ ابن اليوم يبني الغد، والحل هو نتاج السبب، ولا خير في أمة بحثت أسباب تأخرها وغفلت عن حلولها وهذا ما يسمى أضعف الإيمان حيث يكبر عليه التطبيق ويحفظه من الإهمال.
فهلموا يا معشر الأساتذة لتربية هؤلاء المبتدئين الذين هم نواة المستقبل، لا تبخلوا عليهم بتعليماتكم وإرشاداتكم، ولا تحجبنكم مشاغل الدنيا عنهم؛ فهم أماناتكم.
وأنتَ أيها الكاتب الأريب تمهل ولا تعجل على نفسك، فالنفس لا تروي وهي ظامئة، ولا تلهينّك الحياة وتوسعُ المعلومات بل وانفجارها عن السعي الدؤوب لصنع مجدٍ جديد للبيان العربي يسبق مجد الأولين، وليس ذلك على الله بعزيز.
ومَن استمسك فلن تجره شهوات النشر السريع وسيصم أذنه عن المحبطين ويعتدل مع المطبلين ويرجع إلى الكتاب المبين.




الطالبة: ميعاد الحارثية

الاثنين، 14 نوفمبر 2016

بين قاعات الدراسة


طالت بي أحداثُ الحياةِ وأرتني ما كان خياليا يستنكر وجوده في حياة بشر، كانوا يقولون لي إن الحياة ليست وردية وخبايا الناس تُحذر ولعلي أنكرت بعض ما قيل لكنه تمثّل لي حقيقة متجسدة في مقاعد الدراسة، ويا للعجب عندما لا نملك إلا كلمة سبحان الله أمام التصرفات التي لا مبرر لها.
أنتَ قصةُ طالب جامعي بكل مواقفك وأحداثك، وقبلها بفكرك ومُضيّك واهتماماتك..
لعلي لن أقول إنّ التفكير الطفولي الذي يجعلك تُعاند مصلحة الطلاب جميعًا من أجل العناد فقط هو ليس تفكير طالب جامعي؛ لأنّ من البشر مَن يتحسس ويقول:" إذن مَن نحن"؟ وسبحانك ربي وكأنّا أشرنا له بالأصبع بكلامنا العام والحقيقة هو مَن أشار على نفسه وعلِمَ أنّه لن يخدع نفسه بحقيقته فيسأل بسؤال يُثبت مَن هو.
الآيات عندما أمرَت بالتنافس والتسابق والمسارعة، وجعل اللهُ الجنة درجات كُلٌّ ينال درجته بحسب عمله وإلا في الحضيض -والعياذ بالله- لم تجعل هذا التنافس إلا شريفًا يرقى بصاحبه وقال الذي لا ينطق عن الهوى:" لا يؤمن أحدكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه"، والذي يحصل في قاعات الدراسة من بعضهم -هدانا الله وإياهم- يُناقض هذا؛ فعندما يقول الأستاذ بالامتحانات التعويضية التي جُعِلَ دخولها باختيار الطالب لا شيء يدعوك لرفضها والصراخ بإلغائها بلا سبب، فإن كنتَ لا تريد فلا تدخل واصمت ولا تقتل فرص غيرك.
وما يُدريك، لعلك تقع يومًا في موضع ذاك الذي أراد أن يجبر درجته التي ربما جاءت بسبب ظروفه القاهرة وترى مَن لا يقبل أن تعوّض دون أن يضره هذا بشيء أو ليس له مصلحة ظاهرة أبدًا..
وثُلة أخرى يتفقون مع طلاب صفهم على أمر ثم يُخلفونه بكل برود، وقد نَسوا "أوفوا بالعقود"، "والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون"
ولا ندري السر وراء هذا ولكنه يحدث أمامنا فترطمنا الصدمة من تصرفهم هذا.
ولعل الأمثلة تطول وما رأيتموه أوسع من هذا وأبلغ..
فقط سأقول إنّ العلم تربية للنفس في بداءته وكبتٌ لهواها ودعوة للرقي بالضمير والعقل، فكفوا أذاكم عن زملائكم وامضوا في الطريق مستمسكين بالدين والأخلاق واعلموا أنّ شرف الفوز ليس الفوز نفسه وإن كان بالخداع والأنانية وإنما السبيل الذي قطعتموه من أجل ذاك الفوز.
أعاننا اللهُ وإياكم لهذا، فلنعن أنفسنا بالآيات وكتب تزكية النفس ولنرقى.



ميعاد الحارثية

الأربعاء، 10 أغسطس 2016

إلى المربي

الرفاهية التي تحيط ببعض المجتمعات فتجعلهم لا يألون جهدًا في تذوق كل سلعة جديدة مع التسابق في الامتلاك.
وككل أمر في الأسرة فإن الوالدين يسعيان ليكون لأولادهم ما يتمنونه وما حصل عليه غيرهم حتى لا يشعر الأبناء بالنقص والتقصير!
وكتربية على مد العينين إلى ممتلكات الآخرين وتمني مثلها فإن الآباء يسارعون في جلب كل ما رآه ابنهم مع ابن فلان وأصرّ على أن يكون من نصيبه أيضًا.
يبدو الأمر جميلا في ظاهره ولكن ربما هذا علم الدنيا السطحي فقط.
إذا تسللنا إلى البيوت وشكاوي الأهل من انتكاس أبنائهم وطلباتهم التي تتطور يومًا بعد يوم والتي يمكن أن نضرب لها مثال -ليس على سبيل الحصر- رغبة الفتيات المُلحة في اتباع كل موضة نزلت والأفكار التي تكبر أعمارهن وقد تكون الملابس التي ترغب بها عند خروجها!
أما الذكور فقد يتمثل في عرض عضلاتهم وسوء تعاملهم وحوارهم مع الآخرين وربما أفكارهم الدفينة التي لا تظهر لغفلة الأهل.
هنا يجلس الوالدان في حيرة من أمرهما، من أين تعلم الابن كل هذا وأين رأه وهو ربما في مجتمع خال من هذه الأمور؟
يتسألان لماذا يفقد أبناؤنا التركيز ويقل معهم الذكاء وقد لا يكترثون حتى بدراستهم.
يقضي الآباء حياتهم ممسكين بدعاء الهداية لأبنائهم ويتضرعون لله وهم لا يدرون أنّ اتخاذ الأسباب يبدأ منهم وأنهم قد يكونون السبب في ضياع هؤلاء الأبناء دون انتباه منهم.
الهواتف في أيدي المراهقين -الذين لا يتعب الكثير من الأهل أنفسهم بالقراءة عن كيفية التعامل معهم-  والأيباد مع توفر شبكات الانترنت وغياب التربية العقائدية والمراقبة الإلهية والذاتية بسبب سيطرة العشوائية على عقول الناس.
يفتح الابن ما يشاء وهو سعيد بأن لا أحد يراقبه من أهله ولا أحد يسأله، يتحدث مع مَن يشاء وربما تحدث مع فتيات مراهقات مثله لأنه يحب تقليد ذاك الرجل الذي رأه في المسلسل الفلاني.
قد يصل الأمر إلى فتحهم المقاطع اللأخلاقية ويدمنون عليها والأهل يبكون في سجادتهم على أحوالهم.
وهم لا يدرون أن الحرية تحتاج إلى توازن، فنراهم يتدخلون في شؤون خاصة لأبنائهم لا يمكن أن يتخذ قرارها غيرهم ويضيقون عليهم حياتهم بشعار المصلحة، وفي الوقت ذاته يدللونهم بهذه الالكترونيات القاتلة في يد الجهلة الذين غابت عنهم المراقبة وأصبحوا يقومون وينامون عليها ولا لوم لقدراتهم العقلية والعملية التي تنهار مع الوقت.
ضياع قدرات الشباب والدمار المحيط بالعالم قد يكون هذا سببه ببساطة.
المشاكل المنزلية والانحرافات المتتابعة والصدمات التي قد تلحق الوالدين يومًا ما من سلوكيات أبنائهم قد يكون سببه هذا الاستهتار في إهداء الأبناء هذه الالكترونيات لإسعادهم وثم تركهم يغوصون داخلها دون أدنى مراقبة.

ماذا سنفعل بعد هذا الكلام؟

الأحد، 7 أغسطس 2016

وخضعتِ القلوبُ لكلماتك

آمنتُ أنّ الأصوات الناطقة بالحقِّ لا بُد من أن تقف بوجهها جموع تحاول قمعها، عمدًا أو بغير عمد..
وحريٌّ بهذا أن يجعل  صاحب الحقّ قويًا ثابتًا وحكيمًا يتفحص كلماته قبل إخراجها لئلا تكون وبالًا عليه وعلى أفكاره.

أكرمنا اللهُ بحضور مجالس شيخنا حمود الصوافي والشيخ محمد الغاربي -حفظهم الله ونفعنا بهم- فكانوا لنا منهجًا مُطبقًا للأخلاق القرآنية، فما سمعنا يومًا أحدًا منهم  يذكرُ نفسه بمدح ومثالية ويقول أنا ونحن وفعلتُ وفعلنا وهكذا..
بل إنّ من تواضعهم ليشعرونك بأنك أكبر منهم منزلة وبألفاظهم الدافعة كمثل :" أنتم تعلموننا، أنا لا أعرف في هذه الأمور التي تخص جيلكم، اذهبوا لفلان واسألوه -وهو من طلابهم-.." 
يخفضون لكَ الجناح ويتقنون فن إدخال الكلمات في القلوب، وكلماتهم تردد :" ما أفلح قوم لم يقدروا علماءهم"..
مدارس أخلاقية لا تشعرك بالابتذال كما يفعل بعض طلاب العلم وهم يبتغون الخير ولكنهم يميلون عن المنهج القويم الذي نراه عند مشايخنا..
أمسكتُ يومًا كتابًا يحوي نصائح دينية نافعة، فتفاجأ سمعي بصراخ كصراخ المنبر لا صراخ الورقِ..
أغلقتُ الكتاب امتعاضًا من الأسلوب المُستخدم رغم قوة لغته، وتفكرتُ:" ماذا لو سخرنا أساليب الكتابة الإبداعية في ترسيخ ديننا في الكتب بعيدًا عن عشوائية الكتابة التي تُنذر بفناء قريب للكتاب وإن انتشر أيما انتشار في وقته الآني.."
يبلغُ بي الأسف أوجه عندما أرى أصحاب الفكر المستقيم في ذيل قائمة المبدعين كتابة..
نراهم في ميادين التذكير فتتمثل لنا صورة المثالية عندَ المُخاطِب والاتهام  للمُخاطَب..
عجبًا من نصيحة تقول نحن كنا نفعلُ كذا ونحنُ أفضل بكذا وأنتم الآن لستم مثلنا وتُخِلُّون بكذا، حتى يشعرَ السامع بأصابع الاتهام تقتلع ثقته ورغبته في التغيير فينفر..
ولو سأل طالب العلم نفسه وهو يفصح عن هدفه السامي بصدق نية::" ما الحاجة أن نضع أنفسنا في صورة المثالي والقدوة للآخرين؟
لماذا لا نتهم أنفسنا  قبل أن نثور على السامع المسكين؟" لخضعت قلوب السامعين لقوله المتين..

شتّان بين تعاملنا مع التذكير وتعامل العلماء..
والغريب أن الأشخاص الذين يدعون إلى اتباع رأي العلماء يتفننون في رد الأقوال وتخطئة أهل العلم ويصورون ذلك بكلمات برّاقة كمثل:" كيف يمكن لذاك العالِم أن يغفل عن هذا، وكيف أخطأ في ذلك، وكيف لمثله أن يقول كذا... " وهلم جرا
ويضحكون ويشعرون بإنجاز اكتشاف أمر جديد وقد نسوا أنهم يتحدثون عن شخص أفنى عمره ليتخصص ويبحث في ذلك العلم ليأتوا هم الذين بدأوا من أشهر يبحثون في هذا العلم بين وقت وآخر متقطع ليسخروا من رأيه..
لا ترد رأي عالم حتى إن لم تقتنع بكلامه، اتبع كلام غيره مما بيّن لكَ الثقة أنه أقرب للصواب وأرجح ودع عنكَ الرد والسخرية من الآراء الأخرى.. ما دام قوله مأخوذًا به ولا يُناقض تنزيه.
علينا أن نتريثَ ونحن نتفوه بالألفاظ التي أصفها بالخطيرة..
أن يأتي شخص فتح كتابين دينيين ويصنف لك هذا فسق وهذا غفلة وهذا خسيس المنزلة وهذا وهذا..
فلنتوقف.. هذه الأعمال ليست لنا ولسنا موكّلين بها..
تستطيع أن تُذكِّر دون هذه الإسقاطات التي يزعم الكثير أنها على الأفعال ولكن يخرجون ويسقطونها على الأشخاص، وغالبًا لا يكون هذا في الأعمال المحرمة الظاهرة المعروفة.. بل كثيرًا ما يكون في ترك نوافل وما وسّع الشرع على الإنسان..
وهذا نتاج سوء الظن الذي ندعو بتركه ونمارسه!
" رحم الله امرءًا عرف قدر نفسه" 
فوقف عند قدره ولم يأخذه الغرور ولا الحماس وتفكّرَ قبل أن يتكلمَ ويخوض..
ليسَ الحل أن نصمت ولكن أن نعرف كيف نتكلم ونتعامل، ولنا في العلماء قدوة في تعاملهم مع الآخرين ومن ضرورات اتخاذهم قدوة أن نتذكر أنهم علماء فيعرفون ما يقولون عندما يصفون الأشياء بضعف إيمان وفسق وخروج من الملة وغيره..
علينا بأخلاقهم كلها وبكلامهم ما نطيق وما ننقله عنهم حرفًا بلا زيادة ولا نقصان وفي مكانه المناسب.

وختامًا، وإن وصلت -يا طالب العلم- لمرتبة شامخة في الحكمة والأسلوب في النصيحة لابد أن يزيغ أحدهم عنك ليُخرِس فاهكَ عن الحق وليصرفك عن الدعوة فاثبت ولا تكترث ودُم مُراقبًا لنفسك.

الأمة تقوم بشبابها، فلنبذل الأسباب المستقيمة!

ميعاد الحارثية

الأحد، 10 يوليو 2016

إلى صاحب المنطق السليم

      

يغادر كليته الإنسانية بعدما أنهى دروسه لهذا اليوم وتوجه تلقاء مختبر الكيمياء متبخترًا سعيدًا بسماحهم له بتجربة دخول المختبر لأول مرة وصنع البنزويك!
يصل ويرفض لباس أهل الكيمياء الذي يحميه حال الخطأ، رأى المواد أمامه على الطاولة بأنواعها الكثيرة ويده خالية من ورقة التعليمات التي تدله على مبتغاه..
شَعرَ بثقته تتحطم أمام العناصر وهزّهُ كلام المُختص بأن خطأ بسيط في مختبرنا قد يودي بحياتك وربما حياة غيرك!
انسحبَ وهو يتعوذ من تهوره الذي كاد أن يقضي عليه..

وفي الجانب الآخر طُلِب من أحدهم أن يكتب قصيدة موزونة من البحر الخفيف لينشروها له..
ولكنه وقفَ متحيرًا ضائعًا فهو لم يُحب العربية يومًا ولا الشعر، ولا يفقه معنى البحور؛ فأنى له كتابة قصيدة!
فاعتذرَ لعجزه..

تقابل الرجلان وكلّ يحكي موقفه للآخر، وأخذهما الحديث إلى ذكر رأي عالم دين في مسألة فقهية ولم يكن لهما باع في هذا العلم..
ولكنهما طفقا يناقشان المسألة ويردان قول العالم تلو العالم ويستدلان بآيات وأحاديث وإحساسهما يعمل مساعدًا لهما في عملياتهما حتى أصدرا قولًا جديدًا متبجحين بأن من حقِّ كل واحدٍ أن يُعملَ عقله وليس الأمر محصورًا بالعالم..
أخذا رأيهما وطبقاه في حياتهما واتبعا قناعاتهما وأقنعا غيرهم من الجهلة!
الأمر بسيط جدًا معهما، لم يك يحتاج إلى دراسة الأصول والقواعد والفروع والمنطق واللغة، كان بإمكانهما أن يصبحا فجأة عالمي دين دون تعقيد..
كانت السطحية تعشش فوق عقولهم عندما انتبها للخطر الآني والمادي، ولم يفكرا بالخطر الأعظم الذي قد يتأخر ولكنه حتمًا سيأتي..
اعترفا بعجزهما في مكان واغترا في مكان آخر غفلةً بالتناقض الذي يشع منهما..

في الماضي كنتُ أحسبُ أن الصراع والتسابق في طرح الأقوال والأراء الدينية محصورًا في (سوالف) مجموعات الواتساب التي كنت أسمع عنها، وتنشر بسهولة (يجوز ولا يجوز) اجتهادًا دون عمل..
الآن أصبح هذا صيحة العصر وحتى غير المهتمين بالتفقه وعلوم الدين- من الشباب والجامعيين والقراء- يدخلون نقاشات كبيرة ويحللون ويصلون إلى رأي ويثنون على احترام وجهات نظر بعضهم بعضا ليس بقصد المدارسة ولكن بقصد العلم والعمل..

وكما قالوا:" ما بس العالِم فيه عقل"

فتفكروا يا أولي الألباب..

الخميس، 5 مايو 2016

خلف ستار السكن الداخلي


حيوات تتوافد على المرء فتصيبه بضيم وسُكن وتتلون له فتنةً؛ لعله يرى في انعكاساتها مَن هو، ويكون على نفسه بصيرة لا مناص لقلبه من أن يصدع بحقيقته لعله يرجع أو يكون من الذين استيقنت أنفسهم فأبوا إلا تكبرًا وغرورًا، يراهم الملأ أوتادًا شامخة وهم ليسوا إلا عهنًا يلعب به الريح أنّى يشاء.
...
هاهو الحلم الذي كابدت الليل من أجله يأتي ليأخذ بيدها لتسكنه.. قدّمت رجلها اليمنى متمتمة بدعاء التوكل والتوفيق، وابتسمت لمرأى زميلاتها يشاركنها الحلم في نفس البقعة المباركة..
تصل إلى سكن الطالبات وتضع أغراضها ولا تفوّت عليها فرصة اكتشاف المكان الذي سيحويها لسنوات طوال.. كانت سعيدة.. المكان شبه فارغ إلا من فتيات مثلها بدت في وجوههن سيماء الاستكشاف والتنبيش..
طرقَ الفضول مخيلتها وبدأت تغوص فيما يعظمه محيطها (الحياة الجامعية)!

ما هي إلا أسابيع تتوالى حتى تسللت الغربة المُوحشة إلى صدرها وأصبحت صامتة متأملة منقبضة الفؤاد عند كل صورة عجيبة عنها وعن مجتمعها..
كان الاختلاط يضغط على عنقها ويحشرج صوتها لترثيها الأيام والكلمات بأن الوضع سيصبح طبيعيًا عند بداءة الدوام الحقيقي.. 
كانت تترقب خائفة، تتنقب بغلاف الفتاة المسؤولة المتماسكة..
هاقد أتى المساء الذي تتوافد فيه الطالبات جميعهن إلى السكن، وكطالب الصف الأول الذي يراقب طالب الصف الرابع احترامًا وتعظيمًا، كانت تنظر للطالبات اللاتي يكبرنها سنًا..
مرت أيام خاطفة وحفيظتها تشتعل للتشوه الذي أصاب صورها المتزينة في مخيلتها عن السكن وأهله..
دعت الله أن يفرغ عليها صبرًا ويثبت أقدامها!
كانت تتساءل دائمًا:" أحقًا كل هؤلاء الفتيات هكذا في بيوتهن؟"
وكانت صاعقة ال(لا) التي تصرخ بها فطرتها ومعرفتها بحال مجتمعها الذي يسمى محافظًا  تجيبها دائمًا..
كان جسمها يحترق وهي تذهب إلى مطعم سكنها وترى معظم الفتيات شبه عاريات بملابسهن الضيقة وأغطية الرأس المهملة المرمية بعشوائية حتى أصبحت لا فائدة منها والعمال ينظرون!
كانت صور النفاق أوضح مما يظن الغريب الذي لم يجرب دخول السكن، فقد كان سكان السكن بحالهم المُرثى له والبعيد بُعد المشرقين عن دينهم الذي اتبعوه ومجتمعهم الذي عاشروه لا يبالون بالسيارات الداخلة ولا يحاولون ستر ما أُوجب عليهم متسلحين بكلمة (هذا بيتنا) أفنمنع فيه من ممارسة حريتنا؟
كم تخيلتْ فكرة أن يجتمع أهل هؤلاء الساكنات فجأة ليروا أعمال بناتهم اللاتي لا يألين جهدًا في التستر عند نهاية الأسبوع للعودة إلى منازلهن!
كانت تعلم أن هذه مصيبة كبرى قد تشل الأهالي عندما يصدمون بالواقع ولكن هذا جزاء التعسف في التربية، وموت العقيدة التي تجعل المرء عابدًا للمجتمع وما إن يخلو له الطريق وتغيب أعين مجتمعه يسرح ويمرح مُخادعًا غافلًا..
...
في ليلة ظلماء وقد كانت وحدها اقتربت منها فتيات كان اللطف عنوانهن، تعرفن عليها وأبدين اهتمامهن بها..
سُرّت لقدوم الملجأ إلى مكانها ولتقشع ليل وحدتها الكئيب، ورأت من رفيقاتها الجديدات متكأ متينًا عند صعوبات الحياة..
لم تكن لياليها أجمل مثلما تصورت، كانت تعيش كل ليلة مشتتة بين حديث الفتيات وتَزْينهن وبين ضميرها الصارخ..
أصابها الأرق؛ وأرادت التخلص، ومُدت لها يد الدواء القاتل المختصر في قناعات مريضة من أعين متربصة..
شربته وغرقت.. هي اليوم من ثلة الفتيات اللاتي خلعن الحياء بحجج واهية مستغلات سذاجة الآباء وغيابهم، مترنحات في ظلم الغي مستهينات بأعين مارين محتجات بأنه لا أحد يهتم بالنظر إليهن ونسين عين القيوم لا تنام.




رسالة أصوغها بفؤاد يحترق إلى الوالدين: إن لم تُنشئا أبناءكم على عقيدة سليمة ثابتة فلا تأمنا غيهم من ورائكم.
انتبهوا لبناتكم، وذكروهن دائمًا، فالحال قد أدمانا وكبر علينا ما نراه من سقطات تتوالى في حضيض الحرية والتخلع.
لا تغترا بتربيتكما بل راقباها دائمًا.
وأنتِ يا من تملكين زمام الأمة بيدك: ثباتًا يُبقيك شامخة خير من اتباع أعمى يُرديك صريعة وإن لم تلحظك أعين مجتمعك المُقدس!
فاثبتي وتخيري الصحبة الصالحة وذكري نفسكِ دائمًا وذكري من حولك من فتيات.

ميعاد الحارثية

الجمعة، 4 مارس 2016

إلى الغيور على لغته العربية

رسالةُ تذكير:
﷽ 

ارتأيتُ أن أسطرَ هذه الرسالة بعدما كانت تثور حفيظتي وأرجمها بسكوتي ولكننا تُعبدنا بالأمر بالمعروف ولأني أثق أنّ مَن ستمر عيناه على رسالتي سيحرص على أن تدخلَ قلبه وتحرك جوارحه ولستُ أُزكي على الله أحدًا ولكني رأيتُ فيهم الجد والنشاط لرفع هذه الأمة والحفاظ على أسباب عزتها.
أما بعد:
فقد شهدتُ  ممَن أنعمَ الله عليهم من المهتمين  باللغة العربية، الناشرين لعلومها، مَن كاد أن يركن شيئًا قليلا بتضييع بعض قواعد اللغة بحجج واهية كالمزح والدعابة ومن صور ذلك كتابة (حسنًا، حاسنن) و(نعم، نااعم،نعاام) وغيرها مما يؤلم ذكره.
وقد طفقتُ بالتأملِ في حذافير الأمر وتحمله هذه الدعابات فوجدت أنه أكبر وأعز من أن يُفعل به ذلك، فأسباب العزة لا يُلعب بها ولغة القرآن عزتنا شئنا أم أبينا.
ومِنَ الحجج المُلقاة على عاتق اللغة، الكتابة بالعامية المنحرفة عن الفصيحة، ولستُ أدعو أن يلتزمَ المستهدفون بالحديث بالفصيحة في كل أوقاتهم -رغمَ خيرة ذلك- كالذي يأمر بالمعروف وينسى نفسه، ولكن ما أدعو إليه هو أن نتخلص عند كتابتنا سواء بالفصيحة أو العامية من إضافة الياءات في غير مواضعها وخاصة عند الحديث مع الأنثى كقولهم (قطعتي قلبي ويريدون قطعتِ قلبي) و(جزيتي خيرًا مكان جزيتِ خيرًا) بزعمهم أنّ العامية تُكتب هكذا ومنهم مَن يقول إنها من لهجات العرب قديمًا فأقول له إن من لهجاتهم أيضًا عدم التفريق بين الضاد والظاء، فهلّم بنا نخلط بينهما!
ومن أغرب ما زعموه في هذا الباب هو التفريق بين الذكر والأنثى!
فهل إذا كنت تُحدث أنثى ولم تضف الياء المغلوطة ستحسبُ نفسها ذكرًا!
ولكي لا أطيل عليكم سأذكركم أنّ هناك مَن يضيف لام التعريف على الاسم المتصل بالضمير فيقول (البيتنا ويريد بيتنا).

أختم كلامي هذا وكلي قناعة به وإن نعتني أحدهم بالتشدد فلستُ أكترث لأني أرى مَن أنعم الله عليه بحفظ لسانه ولغته فيجب ألا يكون ظهيرًا للمجرمين السالبين اللغة حقها.
وهي رسالة تذكيرية لي ولكم حتى لا نجعل لأحد بابًا لكي يسخر من لغتنا وعزتنا وحتى يكون هدفنا في نشر هذه اللغة الحية طاهرًا من كل شائبة.

و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

الأسلاتية: ميعاد الحارثية

الجمعة، 8 يناير 2016

تَدور

تدورُ الحياة، وأشعرُ بها، ليست شمسًا منقلبة تُرينا العتمةَ بغروبها، ولكنّهم بشرٌ يغربون وينحدرون في تيهِ الظلام، وأنا أدورُ تألمًا..

-بسخرية المُتَعجِّب، أضغطُ على أيقونة احصاء عدد الكتب التي ستقرأها في إجازتك، وكان العدد واحدًا أكبر إنجاز!
ضغطتُ عليه لأُمتعَ ناظريّ بطموحِ الشباب..
(٦١٪‏ صفر من الكتب)
أيُّ نقمةٍ حلّت على الأمةِ ليكونَ هذا شبابها؟
أدورُ وأتألمُ والحياةُ تدور معي، أو أدورُ معها لا يهم..
وهي الحالُ نفسها، عندما أنظرُ سعادةَ الطلابِ بالإجازةِ في صور مُعرفاتهم الواتسابية، جلّ طموحهم النوم والفراغ!
ويا حسرة على العباد عندما لا يعلمون أين الراحة ويُخادعونَ أنفسهم..
يتباكون بانخفاضِ النفطِ والجهلِ والفقرِ وهم نائمون متفرغون لا يعلمون ما يفعلون..
ومصائبُ الحياةِ التي يدوسون عليها اليومَ بغفلتهم رُغمَ صراخها الذي يتجاوز الأعماقِ ويقطعها، ستدوسهم يومًا وسيستغيثون..

نحنُ بحالنا هذه لا نتعلمُ من بعضنا، المؤمن لا يُلدغ من جُحر واحد مرتين، وقد لُدغنا آلاف المرات ونضحك ولا نبكي ونحنُ سامدون..

بالله، أصورة طفل مضايا بعيدة عن وطننا؟
أليسَ كُلّ جائع يموت يقتلُ فينا الكثير، ألا تشعرون بالطعنات!
ألا يقتلكم الألم المحمود؟
إذن لِمَ الترف بحقِّ أنفسنا؟
أراهم حولي لا يعلمون أينَ يضعون أموالهم، فيشترون طعامًا كثيرًا يقتلهم شبعًا، ولا يُفكرون بمشروعٍ وإغاثة لهم ولغيرهم..
والحياةُ تدور، وستجازينا يومًا إن لم ندُر معها..
إنّي لأرى الحياة كارثة عندما ينهضُ الإنسان وهو لا يعلم ما سيفعل، عندما لا يتساءل ثُمّ ماذا، وعندما يقتل شخصه بسكاكين الإهمال والكسل، ولا يشعر بملائكة يكتبون..

أفق!
الحياة تدور، والناس يموتون، والدورُ آت لا محالة، بأيّ شكلٍ من الأشكال..
أفق، فجوعُ الروحِ تتبعه خسارة فادحة في دارِ الجزاء، وجوعُ البطنِ قد يرقى بك في دار قرار..

فلنفق، فالحياة تدور

بين طوفان ونفق

         بين طوفان ونفق يسيل طوفان من الدمع من أعيني الخائفة المترقبة وأنا لا أكاد  أغفو متمتمة بدعاء الاستوداع لأهل غزة، حتى يبدأ الرعب يطا...