الاثنين، 18 ديسمبر 2017

مارجٌ من طموح

                             *مارجٌ من طموح*

تتعاصفُ الأفكارُ المزدحمة، وتتصارع في ذهن ذاك الطالب وهو يعدُّ الأيام والليالي ويراها طويلة جدًا ولكنها غير كافية لكل هذا الكَم من المعلومات المتراكمة فيُصبح بتناقضه مهمومًا لا يدري إلى أين يولي وجهه، تُرى هل سيعضُّ  أصابعَهُ ندما، ويلفظُ أنفاسَهُ حسرةً على كل دقيقةٍ بل ثانيةٍ ودّعته ولم يلوِّنْها بفرشاةِ ألَقِهِ واجتهاده منذ بداية الفصل، فيلوحُ لهُ التّميزُ شبحًا مخيفا يُشيرُ إليهِ من مكانٍ بعيدٍ، أو سيقرر في حضرة عاطفتِه الجيّاشة بأن يكون فريدَ زمانِه بين عشيّةٍ وضحاها، فينثني نهما على مائدةِ كتبِه وما هي إلا غمضةُ عينٍ حتى يتضعضعَ ويتلجلجَ مع أول حصاة صغيرةٍ تسقطُ سهوا في دربه أو سيقتنص الحكمة التي تدعوه قائلة:" أن تصل مُتأخرًا خير لك من عدم وصولِك أبدًا"، فيصدح بصوته الغارق في السكون ويردد:{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} فيلملم الشتات مبتدئا بنية الصادق المُخلص المتوكل على الله حقّ توكله، الموقن بأنه سبحانه لا يضيع أجر مَن أحسن عملا، وأي إحسان كالإحسان في طلب العلم..
ثُم يقصدُ توفيقَ الله سالكًا أقصرَ الطُّرقِ إليه، فزادُهُ الدَّعاء، ورفيقهُ الكتاب، وسيفه القلم، ويستعين بممحاتِهِ إن لاح له من أمسِهِ ما يُحزنه، ويستحضرُ مع كلِّ ورقةٍ يفتحها صفحتَهُ الجديدةَ البيضاء، ويشدّ أزره وطاقته التي تلوّح للنجوم العوالي أن اصبري فاللقاء غدًا..
فما يلبث إلا أن يرسم بريشة خبرته ومعرفته لنفسه خطة مُحكمة فلا يجعلها مغلولة شديدة ولا مبسوطة تُرديه مع الخوالف، بل مَرنةً تتناسق مع وقته وقدرته وظروفه ويقتنص الأوقات التي تعينه على الحفظ كالسحر والفجر ويبدأ بما استصعب عليه من المواد؛ حتى يظفر بما وراءها من المراتب العليا مع حرصه الشديد على  أن يُبعدَ نفسه عن المُلهيات فلا يجعل لهواه بابًا يُغويه عن طموحه.
ثم يصعد فُلكه الشامخ بالإصرار ويبدأ في مُذاكرته واضعًا إخلاصه وهدفه نصب عينينه حَذِرًا مِن أن يشاد نفسه وإلا غلبته، بل يرّوح عنها بين الحين والحين بالنافع المفيد ويمدها بحقها من الترفيه والنوم الهانئ لتعود إلى نشاطها مجددا، وينتبه بأنّ طائفًا مِن اليأس والكسل سيزوره ليفرق بينه وبين حلمه فليردعه ويُكمل حتى يبزغ الصبح ببشائر الإنجاز والوصول.

{ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون}

#سُليمان الشريقي
#ميعاد الحارثية

الأربعاء، 16 أغسطس 2017

أنعرِفُنا؟

أنظرُ حولي وأتأملُ تسابق البشر لزينة الحياة الدنيا وكأنها أصبحت لقمة سائغة سهلة بعدما كانت توصف بالطريق الوعر السائق إلى الآخرة.
كم منّا مَن تخلى عن الجمرة في يده وقبضَ وهمَ النجاة؛ فلم يعد استمساكه استمساكا ونَسي أنّ الأصل أنْ يجري لأجل رضى أكبر ولأجل درجة أرفع في الجنة ولا يكتفي بالقاع؛ شُكرًا لله وتعظيما وحُبّا له تعالى..

لسنا في مساومة ما إن يرى أحدنا خيطا رفيعا يُعجب هواه حتى شدّ عليه بقوة ورضيَ التعلق به ولمعت عيناه فرحا بأن لقيَ ما يحاجج به عندما يستنكر أحدهم طريقه، كفَرَت ذاكرته عن الذين كانوا يتركون ما لا حرج فيه خوفَ الوقوع فيما فيه حرج وقلوبهم خاشعة لله حذرة من الوقوف بين يديه يومَ يتبرأ كل شيء من صاحبه حتى ذاك الخيط الواهم الذي كان يترنح به، لم يعد يهتم ببقائه في منطقة أمان ورحمة، أصبح ما فيه حرج نقطة يرصدها وينبش ما حولها حتى يصيّرها كيفما يشاء..

الله أعظم من هذه المحاولات البائسة للبُعد عنه سواء قصدنا أو لم نقصد..
الله أعظم من هوى يجعل حرماته قابلة للتبديل والتغيير بلا وجه حق..
الله غني عنّا ونحن الفقراء؛ فهلّا ولينا وجوهنا شطرَ رضاه واستعظمنا كل صغيرة  تُلقي بنا عن محبته ما استطعنا لذاك سبيلا؟



ميعاد الحارثية

الأحد، 16 يوليو 2017

شحّاذ في الجامعة



استوقفتني فتاة وأنا أجوب الطرقات في الجامعة، ولطالما ارتسم العجَبُ في عقلي عندما يبدأ الغرباء بالحديث معي بموضوع طويل وهم لا يعرفونني، تمامًا كالتي تأتي لمشاركتي كرسي حديقة العلوم وتقطع انغماسي في أشيائي، ولا تخلو هذه المواقف من لذة وابتسامة عند محاولة مسايرة الحديث والإنصات بتمعن، حتى لا تقع في ورطة عدم الاهتمام.
اليوم كانت تلك الفتاة رسولًا من الله لتخبرني فأكتب فتقرأون..
"شحّات في الجامعة"
كانت هذه بداءة حديثها، وأنه لموضوع مثير تصيخ له الآذان وتتفكر العقول..
"رجلٌ يقول إنه من الشرقية وقد فقد بطاقته البنكية ومضطر إلى العودة لبلاده، ولهذا فهو في حاجة إلى المال"

كانت هذه القصة التي يتسلح بها لأسبوعين متتالين، وأطنبت الفتاة في الحكاية:" يبدو أنه لم يعرفني، فقد أوقفني الأسبوع الماضي وقال لي الكلام نفسه، وقد كنتُ أتعلل بأن محفظتي ليست معي"

ألقتْ ما في جعبتها وذهبت، لا أدري إن كانت رغبت في تحذيري أو سكب قصتها سريعًا لأي مارة، ولكنها أثارت ذاكرتي إلى ذاك الذي سولت له نفسه أن يدخل إلى استراحة الطالبات ويوزع قصة حزينة على الجالسات متذللًا بها للحصول على المال، وبينما كنت مستنكرة دخوله المكان الخاص بالفتيات كانت هناك مَن تمدّ له يد العون عطفًا ورثاء لحاله، وبعد أيام نُشرَ عنه أنه يشتري بهن الخمر.
الأمر يزعج الوعي، والنفس لا تتقبله، ولكنها العواطف عندما لا تستعين بالعقل ولا تتريث، فليست كل النيّات الحسنة توصلك إلى عمل الخير، فالشحّاذ عندما يرى أنّ مَن حوله يستجيبون  لتذَلُّـلِه سيدوم على عمله ذاك وسيدمنه، وأنت لا تريد أن تكون سببًا في ذلك، فكن واعيًا لهذا ولا تنفق أموالك في سبيل الغي بحسن نية، ولو استدرجته بالأسئلة لمحصّت صدقه من كذبه، وقلّ منهم الصادق الذي ستغنيه أبواب المؤسسات الخيرية عن التسول.

ميعاد الحارثية

الاثنين، 29 مايو 2017

أنت الشمس

الشمس تصفرّ وتحمر بعدما فقدت بريقها وآذنت بالأفول والرحيل..
أقفُ أتامل رحيلها الهادئ وأقول في نفسي: لعلها حزينة مثلنا بانقضاء يوم آخر من رمضان، لعلها توقن جيدا أن النسمات التي رحلت لن تعود قريبا وقد لا تعود أبدًا، ويشتد فكرها في هذا فتحتجب خلف الأفق خجلا من التقصير
ولكنها تعود غدًا بحلة بهية من جديد، رجاء أن يتحول نورها إلى عمل صالح لا يخبو نوره حتى اللقاء الأكبر.


الوقتُ يمضي سريعا جدًا في رمضان، فما هو إلا أيام معدودات يتسابق فيها العباد وبودهم لو يسبقون الزمن حتى ينعموا بلذة باقية وعون إلهي يأذن ببلوج الهدى في صدورهم.

وما رمضان إلا صورة مصغرة من الدنيا لو تفكرنا، فكم قيل لنا إن الحياة أيام تمضي وتنصرم مسرعة، ولو نظرنا إلى الموتى كيف غادرتهم الحياة وانتهت أيامهم وكأنهم لم يلبثوا فيها إلا عشية أو ضحاها وقد نكون مثلهم غدًا أو حتى بعد النَفَسِ الآتي..


{والسابقون السابقون}
صوتٌ من قريب، يتردد صداه في قلوبنا، ويعلو رويدا رويدا حتى يكاد أن ينفجر همة وعزيمة وعملا نافعا...

 إنه رمضان وإنها الحياة، فسباقنا في رمضان إيذان لنا بسباق دائم في الحياة كلها.

فلنشمر



ميعاد الحارثية

الثلاثاء، 25 أبريل 2017

وهو بالأفق الأعلى

تتهافت الحيل وتتعاظم المكائد، وكلُّ سيف يطمع بأن يقضي على ما يسلب مُلك صاحبه الواهم، وما يحطم أصنام العقول البليدة لتنير وتستفيق، وهذا دأب الكسول إذا دُعيَ إلى القيام انقلبَ كسله عداوة على مَن جاء يسلبه راحته المزعومة..
انبثق النور المحمدي حاملًا بين يديه زمزمًا يسقي الظامئين التائهين، فما كان من اللئيم إلا أن يقابل كرمه ببغض شديد وعداوة لا تمل من الفتك والطغيان.
دارَ عليه الجاهلون ليزعزعوا تمسكه؛ فتراشقت التهم عليه من ساحر ومجنون وكاذب، وقد كان يمشي بقدميه الشريفتين لقضاء حاجاته وأهله فيسخرون منه إذ يزعم النبوة ويمشي في الأسواق ويُخالط الصغير والكبير والفقير والغني..
تبعه مَن قيل عنهم شرذمة قليلون، وهم في ثباتهم كالجذر المتعمق في الأرض يأبى الفكاك، وقد علمَ الظالمون بكيدهم أنّ الرزء بالصاحب أشد على النفس من عذابها؛ فطفقوا يكيلون العذاب ويتفنون فيه على ظهور تلك الأجساد الطاهرة التي ما أوهنتها حرارة الشمس الحارقة ليقينها بأن جهنم أشد حرًّا..
أُغريَ بزينة الدنيا ونعيمها الذي تهفو إليها نفس الإنسان، ولكن هيهات هيهات لانجرار نور أبى النزول إلى نعيم زائل سيحرمه الوعد الخالد الذي لا يُخلف.
وكانَ من دأبه عليه الصلاة والسلام أن يهرع إلى زوجته لتغسل عنه التعبَ والنصب وإلى ظهر عمه الذي يسنده بدفاعه عنه، حتى جاء الابتلاء الأعظم بتتابع رحيلهم في عام الحزن، فأي عزاء لذاك القلب وأي تخفيف لويلات الحياة التي تلسعه بأسواطها القاسية، وقد طردته البقاع وألقيت عليه الأشواك وحِيلَ بينه وبين الأُنس..

"اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي ، وَقِلّةَ حِيلَتِي ، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ ! أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي، إلَى مَنْ تَكِلُنِي ؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِي ؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلّكْتَهُ أَمْرِي ؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَيّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي ، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي ، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك ، أَوْ يَحِلّ عَلَيّ سُخْطُكَ، لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِك"

من منبع اليقين الذي لا يشبهه يقين انبجست المعجزة الكبرى، من باب الإسراء والمعراج عادت الروح الأبية وهي تطوف على نعيم الجنة وتزور معالمها وترى عظم خالقها في تصوير ملائكته، وملاقاته لأصفياء الخَلق وزيارته للأقصى الشريف في ليلة كُتِبَ لنورها أن ينسل ليحيط بالأمة كلها حتى قيام الساعة بدروسها العظيمة التي تبدأ من تثبيت الله لعباده الصالحين وتمحيص القلوب بهذه الحادثة العظيمة التي إلى الآن تجد مَن يتعجب منها والعجب من عقله الغافل الذي عميَ عن قدرة الله تعالى..
أيّ قوة أُكرِمَ بها ذاك القلب ليعلن جهارًا عن رحلته لقوم كذبوه وأطالوا في محاولة تثبيطه، أيُّ ثبات يتلبس به المؤمن عندما يستشعر أنّ الله مؤيده ووليه، وأي نعمة كصاحبٍ يسمع غريب القول، فيقول:" إن كان قد قال هذا فقد صدق"

تتسامى النفس عندما تغور في عظمة الآيات، عندما تتسع آفاقها لتسع العالم بأكمله كما طافَ الرسول الكريم بإذن ربه ليخبرنا أنّ الكون وحدة واحدة لزم علينا اكتشافها لأداء الرسالة التي أنزلها خالقها، مهما اشتد البلاء وكُنا على قاب قوسين أو أدنى من الهلاك فإنّ اليقين بعناية الله وقدرته تنتشلنا وتُحيينا.

ميعاد الحارثية 

بين طوفان ونفق

         بين طوفان ونفق يسيل طوفان من الدمع من أعيني الخائفة المترقبة وأنا لا أكاد  أغفو متمتمة بدعاء الاستوداع لأهل غزة، حتى يبدأ الرعب يطا...