الخميس، 17 نوفمبر 2016

{اعملوا على مكانتكم}

        عندما ينسكبُ المدادُ مُسبِّحًا بحمدِ العليم الذي كرّم بني آدم بحاسة تتذوق البيان بل وتصنعه بإذنه حتى يكون سائغًا للشاربين المغمورين بدهشته وسحره..
من هنا تبدأُ نقطة البيان الذي ما إن تلفظ اسمه حتى تتفتح آفاق الوضوح والفهم في رأسك، تمامًا مثلما تتفتح أسرار الغموض المختبئة خلف البلاغة والجماليات كما بانت سعاد من قبل خلف متاهات الحياة، بانت لتتضح وتبني في أذهاننا سُلمًا من الاستكشاف والتنقيب عن المعنى حتى نجد الدهشة الأكبر!
من جاهلية بانت عن الحق وجاء البيان القرآني ليجذبها إليه ويذرها أمة متعجبة منه حتى يوم الوعد وُلِد البيان رحمة من الرحمن الذي علّم الإنسان.
وكما أنّ القرآن جاء عربيًا فكذاك البيان، فطوبى لمن أمسك بقضيب من البيان وصار يخط به الدهشة ليخلد عمله وينطبع على الأفهام ويُدرّس ويكون قدوة لمن بعده كما حدث عند الجاحظ والرافعي والعقاد وأرباب الشعر ومن والاهم.
وما دام المرء يُولد فالله يُعلمه البيان وبهذا يمكننا الحديث عن مستقبل البيان العربي الذي يمر بمدٍّ وجزر في تطوره وخموله، ولأن الغد هو المستقبل واليوم أخو الغد يدلنا على ما قد يحدث فيه, ولأن الحدث يتكون بسبب؛ فإنّا نرى شموخًا عندَ المُتعلمين الساعين الذين تشهدُ لهم نصوصهم بمستقبل بارع في البيان بإذن العليم.


غير أنّ الأسباب التي تنخر تطور البيان العربي كبيرة جليلة، ودراستها وتوعية المجتمع الأدبي بها واجب مُحتم إذا ما أردنا السعي إلى إعادة أمجاد عظماء البيان الأولين.
والسم الأكبر هو أن يحيد ذاك الذي أوحيَ إليه الإلهام والبيان من الله عن المنهج القويم ويتخبأ خلف مسميات التصوف التي لا يعلم عنها شيئًا فيستنقص من الذات الإلهية تعالت عن ذلك، فتراه ينسب صفات النقص إلى الله غير آبه إلا بجماليات نصه التي إن شاء البيان أحرقها بنفسه وألقى بها في غيابات النسيان وهزّ أصحابها هزّة الرجل القوي ليفيقوا قبل أن ترجهم صاعقة التخلف ولن يجدوا فئة تنصرهم من دون الله وما كان لهم مُنتصرا.
وخلف هؤلاء مَن يشجعونهم على منكرهم بالتصفيق لهم وتسليمهم وسام الشهرة والمكنة الأدبية، وهل هناك ما أضاع الشباب المبتدئ غير كثرة التصفيق على ما يستحق وما لا يستحق؛ فحسبوا أنهم ارتقوا إلى الثريا وما زالوا صغارًا يلعبون في الثرى.
وهؤلاء المطبلون ينشرون داء الغرور بين الصغار ويحجمون عنهم الإبداع من حيث لا يشعر الطرفان ولا يحتسبان.
وسلسلة الأحداث متتالية، فالغرور الذي يتملك مَن لم يقرأ سوى كُتب بسيطة قليلة ولم يستمد من نور القرآن وبيانه ولم يمرّ على أستاذ ليقيمه؛ يجعله يُسارع إلى إصدار كتاب بغثه وسمينه، ويا حسرتاه عندما تضاف مثل تلك الكتب الضعيفة إلى مكتبة العربي وهو سعيدٌ بها وموزع لها لينتشر صيته وتتحدث عنه أقاصٍ كثيرة.
وقد تجمعت الأسباب على هذا المسكين فتسابقته دور النشر التي لم يعد يهمها إلا لون الصفحة والغلاف المُنمق والتسابق في النشر والإنتاج.
وتلقفته برامج التواصل وسهولة الوصول إلى أي بقعة يمكن أن تستمع إلى كلامه فيلقيها هناك، مدافعًا عن نفسه خلفَ أي نقد بحرية التعبير وأنّ الكاتب ميتٌ بعد نشر كلامه فلا يهمه ما قال عنه الآخرون.
ولو أنّ الدول العربية تجلُّ البيان وتقدره حقّ قدره لكانت قوانين النشر والإتقان شاهدة عليها، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
إنّ ابن اليوم يبني الغد، والحل هو نتاج السبب، ولا خير في أمة بحثت أسباب تأخرها وغفلت عن حلولها وهذا ما يسمى أضعف الإيمان حيث يكبر عليه التطبيق ويحفظه من الإهمال.
فهلموا يا معشر الأساتذة لتربية هؤلاء المبتدئين الذين هم نواة المستقبل، لا تبخلوا عليهم بتعليماتكم وإرشاداتكم، ولا تحجبنكم مشاغل الدنيا عنهم؛ فهم أماناتكم.
وأنتَ أيها الكاتب الأريب تمهل ولا تعجل على نفسك، فالنفس لا تروي وهي ظامئة، ولا تلهينّك الحياة وتوسعُ المعلومات بل وانفجارها عن السعي الدؤوب لصنع مجدٍ جديد للبيان العربي يسبق مجد الأولين، وليس ذلك على الله بعزيز.
ومَن استمسك فلن تجره شهوات النشر السريع وسيصم أذنه عن المحبطين ويعتدل مع المطبلين ويرجع إلى الكتاب المبين.




الطالبة: ميعاد الحارثية

الاثنين، 14 نوفمبر 2016

بين قاعات الدراسة


طالت بي أحداثُ الحياةِ وأرتني ما كان خياليا يستنكر وجوده في حياة بشر، كانوا يقولون لي إن الحياة ليست وردية وخبايا الناس تُحذر ولعلي أنكرت بعض ما قيل لكنه تمثّل لي حقيقة متجسدة في مقاعد الدراسة، ويا للعجب عندما لا نملك إلا كلمة سبحان الله أمام التصرفات التي لا مبرر لها.
أنتَ قصةُ طالب جامعي بكل مواقفك وأحداثك، وقبلها بفكرك ومُضيّك واهتماماتك..
لعلي لن أقول إنّ التفكير الطفولي الذي يجعلك تُعاند مصلحة الطلاب جميعًا من أجل العناد فقط هو ليس تفكير طالب جامعي؛ لأنّ من البشر مَن يتحسس ويقول:" إذن مَن نحن"؟ وسبحانك ربي وكأنّا أشرنا له بالأصبع بكلامنا العام والحقيقة هو مَن أشار على نفسه وعلِمَ أنّه لن يخدع نفسه بحقيقته فيسأل بسؤال يُثبت مَن هو.
الآيات عندما أمرَت بالتنافس والتسابق والمسارعة، وجعل اللهُ الجنة درجات كُلٌّ ينال درجته بحسب عمله وإلا في الحضيض -والعياذ بالله- لم تجعل هذا التنافس إلا شريفًا يرقى بصاحبه وقال الذي لا ينطق عن الهوى:" لا يؤمن أحدكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه"، والذي يحصل في قاعات الدراسة من بعضهم -هدانا الله وإياهم- يُناقض هذا؛ فعندما يقول الأستاذ بالامتحانات التعويضية التي جُعِلَ دخولها باختيار الطالب لا شيء يدعوك لرفضها والصراخ بإلغائها بلا سبب، فإن كنتَ لا تريد فلا تدخل واصمت ولا تقتل فرص غيرك.
وما يُدريك، لعلك تقع يومًا في موضع ذاك الذي أراد أن يجبر درجته التي ربما جاءت بسبب ظروفه القاهرة وترى مَن لا يقبل أن تعوّض دون أن يضره هذا بشيء أو ليس له مصلحة ظاهرة أبدًا..
وثُلة أخرى يتفقون مع طلاب صفهم على أمر ثم يُخلفونه بكل برود، وقد نَسوا "أوفوا بالعقود"، "والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون"
ولا ندري السر وراء هذا ولكنه يحدث أمامنا فترطمنا الصدمة من تصرفهم هذا.
ولعل الأمثلة تطول وما رأيتموه أوسع من هذا وأبلغ..
فقط سأقول إنّ العلم تربية للنفس في بداءته وكبتٌ لهواها ودعوة للرقي بالضمير والعقل، فكفوا أذاكم عن زملائكم وامضوا في الطريق مستمسكين بالدين والأخلاق واعلموا أنّ شرف الفوز ليس الفوز نفسه وإن كان بالخداع والأنانية وإنما السبيل الذي قطعتموه من أجل ذاك الفوز.
أعاننا اللهُ وإياكم لهذا، فلنعن أنفسنا بالآيات وكتب تزكية النفس ولنرقى.



ميعاد الحارثية

بين طوفان ونفق

         بين طوفان ونفق يسيل طوفان من الدمع من أعيني الخائفة المترقبة وأنا لا أكاد  أغفو متمتمة بدعاء الاستوداع لأهل غزة، حتى يبدأ الرعب يطا...