الجمعة، 30 أبريل 2021

تنهيدة الختام

 ٣٠

                              تنهيدة الختام


للإنسان علاقة غريبة مع الزمن، في خضم الرحلة يشعر بالأيام طويلة ممتدة والوصول بعيد، وما إن يصل حتى يقف مشدوها: كيف مضت الأيام؟!

إنه اليوم الثلاثين من تحدي الكتابة، يوم الختام الذي يلتقي مع أحداث سعيدة، يوم الجمعة الممطر البارد، والشعور بالعزة والقوة في رمضان ونحن نسترجع أحداث بدر الكبرى وأهلها العظام، وموقعة الجسر التي تشفي صدورنا.

كُلها مواضيع يُمكن أن يقتنصها الكاتب ليمنح قلمه شرف خطّ أحداثها وعبرها.

لكنّ التحدي انتهى، وهو ما يجعلني أقف متأملة فيما مررنا به وما خرجنا به.

-وكيف للمرء أن يتأمل ومريم تبكي فوق رأسه؟-

أول سؤال أطرحه على نفسي: هل سأعود للتوقف عن الكتابة بعد هذا التحدي؟ وقد كان الهدف منه التدرب على الكتابة في كُل حين دون التعلل بفقدان الإلهام. 

-هل ندمتُ على هذا التحدي؟ شعرتُ في أيام بضغط كبير، وآثرت أوقات راحة لأجل أن أكتب ولكنّي لن أندم أبدًا عليه. 

كتبتُ فيه نصوصا لم تك لتخرج لولا أنّي أرغمت نفسي على الكتابة، تسويفا أو خوفا أو قلة بارض. 

واستطعتُ أن أُخالف مشاعري المتعبة في أيام وأكتب مواضيع نافعة، وخرجتُ بثلاث نصوص فقط عنونتها بهذيان! 

أعتبره إنجازا، إن كان هُناك مَن يُحب أن يكافئني(:

وأعظم ما نلته في هذا التحدي هو القراء، أشعر بامتنان عظيم لكُل مَن قرأ وتابع وعلّق، كان تعليق أمي على قصتي أجمل تعليق، وبعدها تعليقات الرفيقات في الواتس، وقولهن إنهن يترقبن النصوص كل يوم، وأنّ بعضها تواسيهن! 

والتعليقات في المدونة، وأعداد القراء الصامتين المتزايدة أشعرني بالحبور، لأنني لم أك أحسب أنّ أحدا يقرأ. 

رغم أنّ الكتابة حياة للكاتب، يستمر بها وإن تفردت بها ملاحظات هاتفه فقط. 

-هل سأكرر هذا التحدي مرة أخرى؟ في أيام ماضية كنتُ أقول: مستحيل. 

لكن في لحظة الختام أقول: رُبما. 

-هل أُشجعكم عليه؟ 

نعم. بشرط أن تتخيروا الوقت المناسب، وقت السعة الذي يسمح لكم أن تقرأوا كثيرا وتنفردوا بأنفسكم للكتابة، في ذاك الوقت ستلحظون الفرق في المستوى وتأثير القراءة على كتاباتكم، ولن تُسابقوا الدقائق لتنهوا النص كما أفعل الآن. 

وفي النهاية أقول:

الحمد لله الذي نجانا بسلام دون خسارة من هذا التحدي، والشكر الجزيل لأروى لأنها كانت منافس خير وصمدت حتى النهاية. 

والشكر  لكم لأنكم تقرأون. 





الخميس، 29 أبريل 2021

إلى صُحبة القرآن

                               إلى صُحبة القرآن


إنّه اليوم ٢٩ من تحدي الكتابة، كان لابد أن أتحدثُ فيه عن أحبّ الأشياء إلى قلبي: صُحبة القرآن.

تُداهم الإنسان مشاعرٌ من التيه والوحدة، لا يكاد يُنقذُ نفسه من ألم حتى يسقط في آخر وهكذا دواليك.

أفقتُ على واقع أنّ الجامعة انتهت، صخب الأصدقاء اختفى، وكُل واحد اشتغل بحياته، قد يحدث أن تضيق بنا الحياة ولا نجد أحدًا؛ فكنتُ أتضرع إلى الله أن يرزقني صحبة صالحة، تعينني في طريق الصلاح المحفوف بالمكاره، وما أضعف الإنسان إن كان وحده.

شاء الله أن ألتحق ببرنامج النور لحفظ القرآن الكريم، يومَ أن فاتت الكثيرات فرصة التسجيل.

مضت الأيام ونحن نمشي على خطة مُحكمة في الحفظ، كان الأمر عاديا في البداية، فقد كانت هناك محاولات مهزوزة لإتقان الحفظ سابقا.

حتى بدأ النور يتسلل رويدا رويدا، وبدأت الأحوال العابسة من حولي تبتسم، بل أنا التي رأيتها تبتسم.

قلتُ لصديقتي:"لأول مرة أشعرُ بهذا الأمان، وأنا أحفظ كتاب الله بعزم".

بعد مُدة رأيتُ إجابة الله لدعائي، فتيات برنامج النور هُنّ الصحبة الصالحة، هُنّ رزق الله الذي ساقه لي برحمته.

قد يتصور الإنسان الصاحب أنّه الذي يسير ويجئ معه ويحدثه عن همومه ومشاكله، ويخبره بتفاصيل حياته.

لم يحدث هذا كُله، ولكنّي اكتفيت. 

أعجبتني فكرة أن تكون الصحبة قرآنية فقط، بعيدا عن مشاغل الدُنيا.

تتصل بي بُشرى، أسردُ لها محفوظي الأسبوعي ثم نُنهي المكالمة بدعوات وتثبيت وتحفيز.

وتتعهدني إن تخلفت عن إرسال تقاريري اليومية. هذا كُل ما يحدث وهو كُل شيء بالنسبة لي.

أشتدُ باتصال عبير وهي تسرد لي محفوظها وأُسبّح الله على إتقانها، وأحمدُ الله كثيرًا أن جعلني مَن أُسمّع لها لأتقوى بتلاوتها.

الآيات التي تتلوها كانت هي أعظم مواساة لي في متاعب أيامي. 

كنتُ أعرف عبير منذ أيام الجامعة، وكُنا نلتقي يوميا تقريبا ولكنّي لم أشعر بقُربها إلا هنا، في لحظة السرد.

تطمئنّ نفسي وأنا أرى تقارير هدى ومريم، ويثلج صدري جهود الشيماء وهاجر - جزاهنّ الله خير الجزاء عنا- وهنّ يخططن ويشجعن ويتواصلن لأجل هذا المشروع العظيم.


نعم، هذه صحبتي التي دعوتُ الله أن يرزقنيها، وهي خير الصحبة لأنها تفردت بابتغاء الآخرة فقط.

تواصُلُنا السريع من أجل أن تنهل قلوبنا من القرآن، هي أطهر صداقة على الوجود.


وأنتَ يا رفيقي، يحقّ لك الشعور بالأمان والرضى واليقين، يحقّ لعينيك أن تتفتح وتُبصر نضارة الأحوال والأشياء، فابدأ بمعاهدة كتاب الله وحفظه، فإنّ للحفظ روح لا تجدها في سائر التلاوات، وكله خير.

سيكون الأمر مرهقا لك في البداية، ولكنّ الله سيحبب لك هذا الطريق حتى تُضحي بكُل حب بالتجمعات والفعاليات من أجل أن تُتقن وردك، وستدمنه حتى تشعر أن بقاءك مربوط بارتباطك بالقرآن. 

الأربعاء، 28 أبريل 2021

فلسطين

 اليوم ٢٨


                                  فلسطين

قبل أيام كنتُ أستمع إلى سؤال أهل الذكر، ونحن ننهلُ من علم الشيخ، كانت الأمور كعادتها حتى سُئل سؤال فلسطين. اهتزت روحي مع كلمات الشيخ وجرت القشعريرة فيّ واقتربت الدمعة من محجري.

فلسطين، خرجنا إلى الدُنيا ونحن نردد اسمها وندعو لها بالنصر. عندما أرى الشعب المجاهد هناك أستشعر المعنى الحقيقي للعزة.

بينما ينشغل أكثر الشباب بتضييع أوقاتهم في الملهيات، يأتي طفل فلسطيني ويرمي حجرا في وجه عدو بائس.

المستكين سيستصغر الحجر ويستهزئ به، ولكن الشهم سيراه قنبلة تتزعزع بها قلوب أعداء الله، تلك الحجارة تستمد قوتها من ثبات الطفل الصغير.

نتلو آيات الجهاد في القرآن الكريم ونحسبها ولّت، حتى نبصر جهاد المقدسيين عن بيت الله، ومسرى نبينا.

كم استشعرت الآية الكريمة:﴿قاتِلوهُم يُعَذِّبهُمُ اللَّهُ بِأَيديكُم وَيُخزِهِم وَيَنصُركُم عَلَيهِم وَيَشفِ صُدورَ قَومٍ مُؤمِنينَ﴾

إيه نعم، يشف صدور قوم مؤمنين، ومَن لا يثلج صدره وهو يرى ذاك الشموخ يعتلي رؤوس الأعداء، الذين هم أجبن خلق الله وإن أردت أن تكشف خبايا نفوسهم وضعفهم وتزعزهم فعليك بسورة الحشر.

وبينما الفلسطيني يُقاتل مستهينا بالموت، يأتي في مجتمعاتنا من يُداهن أعداء الله ويذوب في عاداتهم ويُقلدهم في صغائرهم وكبائرهم ووده لو يتقمص شخصية أحدهم أو يكون منهم وهو يلهث وراءهم ويفتخر بلغتهم.

رغم أنّ الكتاب العزيز كشف صدور الكفار، وفصّل تفصيلا شافيا كافيا فيما يجب أن تكون عليه العلاقة بين المؤمن والكافر إلا أن النفوس انتكست وانخذلت.

وصدق الله العظيم:﴿ها أَنتُم أُولاءِ تُحِبّونَهُم وَ لا يحبونكم﴾


الثلاثاء، 27 أبريل 2021

سفرُ مشاعر

 اليوم ٢٧ من #تحدي_الثلاثين 


                                      إليكَ


في كُل مرة أقرأُ فيها حادثة الإفك - كأنها أول مرة- تعتريني موجة من البكاء، أودّ لو أكون مكان المرأة التي بكت مع سيدتنا عائشة دون أن تنطق حرفا.

يا الله، كيف يُمكن لمشاعر أن تخترق القرون الكثيرة وتسري في قلوب جديدة؟

أسكنُ الموقف، بل أسكنُ قلب السيدة عائشة وتعصف بي الأعاصير التي تنزل به، وكأنّي بسيل دموعها المدرار المستعر، يغلي في صدري وهي تحكي:" وقد بكيت ليلتين ويومًا، حتى أظن أن البكاء فالق كبدي".

ومَن ذا يلوم الطاهرة على وجعها وهي قد أُصيبت في طهرها وعرضها بهتانا وبطلانا؟

ومَن ذا يلومها وهي تُقابل جفاء لم تشهده من حبيبها رسول الله؟

نحنُ اليوم إن حدث حادث بيننا وبين مَن نُحب وإن كان بسيطا، نندبُ آلامنا بالأشعار وتسودّ الدنيا في أعيننا، فكيف بحبيب كمحمد؟

السيدة عائشة، المرأة الصابرة رغم نحيبها، المرأة التي استندت على قول أبي يوسف إذ قال:{فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون}.

وهي التي تقول:"وأنا والله أعلم أني بريئة، وأن الله تعالى مُبرئي"

يا الله، أي يقين كان يسري في تلك النفوس، فلا تعرف جزعا ولا تشهد قنوطا، بل تترقبُ ترقب الواثق فرجَ الله.

وأنتَ يا صديقي، قد ينعتك الناس بما ليس فيك، قد يكيلون عليك ظنون السوء وينظرون إليك نظرات الريبة وإن كان في أمور دون العرض والشرف، يؤذونك في مشاعرك، - ومشاعرك غالية- تذكر هذه الواقعة ودروسها واستعن بالله على ما يصفون، وارجوه أن يُخلّصك من بهتانهم.

ولك في سورة النور شفاء للغليل الذي يعتريك

{لولا إذ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا...}

{إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينًا وهو عند "الله عظيم"}

لا يريد الله للمؤمن أن يحزن، فاستعن به على مَن يستصغر شعورك ويستبيحه، واستند على آياته وترقّب فرجه. 

الاثنين، 26 أبريل 2021

لسانك حصانك

 ٢٦

                                لسانك حصانك


"لسانك حصانك، إن صنته صانك"

يأخذني التأمل بعيدًا وأنا أُنقّب بين حروف هذا المثل، ربما يستخدمه الكثيرون في المواقف الحرجة التي تكاد "زلة لسان" فيها، أن تودي بصاحبها.

اللسان،العضلة التي لا تحدّها عظام ولا يرهقها جهد، هي حصنك الحصين الذي إن أحسنتَ حراسته، وقاك من حروب الناس وتقاتلِهم.

وقد تكون هي حصانك السريع الذي يجري بك في كُل ميدان، فإنْ لم تروضه وتشد زمامه، ألقاك مضرّجا بآفاتك في الثرى.

وقلّ مَن يُجيد ترويض حصانه في أيامنا هذه، ويحفظ كرامته من الولوج إلى كُل شُرفة يجتمع فيها أناس في شؤون تخصصهم وعلمهم.

أصبح الكثيرون مرضى بالجدال و المراء، يشعرون بحكة في عقولهم إن لم يبدوا رأيا هنا وهناك وفي كُل محفل، ولَسوء سقطاتهم التي جرّهم إليها تهورهم وغرورهم وفضولهم.

الأدهى من ذلك، أن يمشي الإنسان في يومه وهو يحمل قذى في لسانه يُلقيه أينما حل، يبصقُ في وجوه العالمين بكلماته النابية.

تراه مُتزيّنا، متحلّيًا بأفخم الثياب، ومتعطرا بأزكى الروائح، ويمشي كأنه مَلكَ الدُنيا، وعندما يتحدث لا يكاد ينطق كلمتين إلا خالطهما بسباب من فحش القول، ويكون مفتخرا بهذا ومزهوا بتطوره ومستبشرا برفعته.

يا للمسكين، لا يدري أنّه مزج زينته في وحل، وعكّر مظهره بعفن.

ومن عجائب الدهر أنّ الناس يُقذَفون بالكلام اللاذع ويضحكون، كأنّك ملأت قلب أحدهم بكلمات الحُب والهيام وهو يسمعُ زميله يُلقبه بشيء من ألقاب الحيوانات.

ومنهم مَن يمشي بين الناس بسيرة حسنة، فإذا ما تحدثوا عنه قالوا:"رجل صالح لكنّ لسانه متبرئة منه"، فكان كمَن يملأ روحه نورًا ثمّ يُغلّف عليه بالسواد، فلا هو سما به ولا نفع به غيره.

والآن في زمن التعليم عن بُعد، انكشفت سوءة الألسنة داخل البيوت، عندما ينسى أحدهم مُكبّر الصوت مفتوحا فنسمع ألوانا شتّى من النزاع والشتم للأبناء، ونُسارع إلى غلق مكبرات الطلاب، لئلا يظهر شيئا للملأ، إلّا أنّ هذه الشتائم تُصبح لازمة لسانية يتناقلها الأبناء عن الآباء وينشرونها كوباء عند أصحابهم في المدرسة والحارة. 


قضية القول، ليست وليدة اليوم والبارحة، بل فصّلها القرآن وأعطاها حقها تهذييا وتنبيها.

فقد حكى لنا قول القائلين:"‏{ ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول}، انظر كيف يستصغر الإنسان معصية القول، وتغريه سلاسة لسانه وسهولة نطقه، فيُحدّثُ نفسه - لا الملأ- مُقدّما لها الأعذار في طبق من ذهب، زاعما أنها كلمة خاطفة لا تضر.

{لولا يعذبنا الله بما نقول}؟

" وهل يُكبّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم"؟ 

ألَم يُهذّب الله هذه الجارحة آمرًا﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقولوا قَولًا سَديدًا﴾. 

انظر كيف ربط سبحانه بين التقوى - التي هي منال العباد- وبين القول السديد. 

{وقولوا للناس حُسنًا}، فما بالنا نقول للناس سوءًا وشرّا وننشرُ ثقافة الشتم والسب ونجعلها منهج حياتنا وأصل أيامنا، والله يُريد أن يُطهرنا من كُل نتفة سوء لنصل إلى الكمال الإنساني، إلى خُلق القرآن؟ 

أنتَ تستحق الأسمى، فاعزم في أيام رمضان أن تتخلص من فحش القول والسباب والتنابز بالألقاب استجابة لأمر الله، واستكمالا لنور الله بداخلك، وسعيا نحو التقوى. 

وقُل لنفسك، لن أبرح حتى أُطهرك - بإذن العزيز الحكيم-. 


الأحد، 25 أبريل 2021

هذيان٣

 ٢٥

                                     هذيان٣


نسمعُ دائما نصيحة الناصح أن اقرأ كثيرًا لتكتب.

وأنا أعصرُ مخي لكتابة نص اليوم تخلصا تذكرتُ أنني نسيتُ اليوم وِردي من قراءة كتاب وسط زحمة الأعمال والخطط التي أود الانتهاء منها.

صادف هذا التحدي الوقت المختنق من السنة، الامتحانات ثم رمضان؛ ولهذا عندما أعلنت عن رغبتي في صاحبة نتشارك التحدي وجدتُ ردودا تتقافز حماسا ولكنها مقيدة بالأشغال، ووعدتُ إحداهنّ أننا سنتحدى في الصيف ولا أدري أين أُلقي بذاك الوعد بعد هذه التجربة، لكنّي أرجو أن يُغيبه النسيان.

عندما أوشكتُ على اليأس من ولادة التحدي، انتشلتني أروى - رغم اشتغالها- قائلة:"الكتابة جزء من الحياة وليست حدثًا عارضًا في اليوم"، وبهذا بدأنا.

في أول الأيام كانت تتصارع الأفكار والحروف أيها تبدأ، كنتُ أكتبُ بعد صلاة الفجر، لا أطيق صبرًا حتى أُفرّغ ما في جعبتي.

أمّا الآن أشعر بأن حروفي يبست، لأنّني أهملتُ القراءة قسرًا، وتمنيتُ أيام العز، أيام إجازة الصيف إذ يتفرغ الإنسان لنفسه واهتماماته وشغفه.

لا يجري وراء طالب لتسليم واجب، ولا وراء أسباب الغياب ولا يتصدّع رأسه برنات في أوقات غريبة.

يحقُّ لي أن أخشى على نفسي لأن القراءة العشوائية وغير المنتظمة والانقطاع عنها يشعرني بالضياع والاكتئاب، وعندما أقرأ أشعرُ بالوطن وأنني في الطريق السليم.

سنعود قريبا  بإذن الله. 

السبت، 24 أبريل 2021

لا تدّخر!

 ٢٤

                                لا تدّخر


‏"لا تُغرق نفسك بديون عليك سدادها. حافظ على نفقاتك متدنية وابدأ بتكوين قاعدة أصول، ثم ابدأ بعد ذلك في ابتياع المنزل الكبير أو السيارة الفارهة."


من هنا بدأتُ شغفي في القراءة في المجال المالي، كنتُ دائما أقول: يجب ألّا نخوض في شيء قبل القراءة والاطلاع عليه.

لكن لم يخطر ببالي  التوسع في أمر المال، حتى زرتُ صديقتي يومًا ورأيت في مكتبتها كتاب" الأب الغني، الأب الفقير"، كانت قد نصحتني بقراءته يومًا، استأذنتها لأستعيره وفي بالي فكرة: ماذا سيقول؟ ادخروا وادخروا ثم كوّنوا حياتكم.

كانت الصدمة أنّه حكى قصة رفض الكتاب لعشرين سنة لأنّه ذكر قواعد تخالف العقل الجمعي ومنها أنّ الادخار هو شيمة الفقراء ومتوسطي الدخل.

لأول مرة هناك مَن يكسر القاعدة:"لا تدّخر".

إذن ماذا أفعل؟

الكتاب لن يُخرجك من معمعة صفحاته الكثيرة إلا وقد أقنعك بما يجب عليك فعله.

غيّر نظرتي وغيّر مخططات سنوات في رأسي!


‏"الأصل يجلب المال إلى جيبك سواء أكنت تعمل أم لا، أما الالتزام فيسحب المال من جيبك. فإن أردت أن تصير ثريًّا، فأنفق ببساطة حياتك كلها في شراء الأصول، أمّا إن أردت أن تصير فقيرا أو من الطبقة الوسطى فأنفق حياتك في شراء الالتزامات"


هذه كُل الخطة، أن تستغل مالك في استثمارات تعود إليك بالربح، لا تجعل أولوياتك سيارة فارهة ومنزل ضخم وترهق عقلك في الديون والتفكير في التسديد. 

عندما يكون معك رأس مال وإن لم يك ضخما، استثمره ثمّ ابدأ بشراء الالتزامات من بيت وسيارة وأثاث من مال الاستثمار. 

الذي يوقعنا دائما في الورطة المالية أنْ نجعل أنفسنا عبيدًا للوظيفة والراتب الذي نستلمه، فإذا ما اضطررنا للخروج منها، انتكست حياتنا كلها. 

يُقال لك شخص عمل ٢٠ سنة ثم سُرّح من عمله، وهو الآن لا يجد لقمة العيش. 

لأنّه كان يصرف كُل راتبه في الالتزامات، ولو أنّه فكّر قبل أن يغرق نفسه بديون بيت وسيارة في مشروع يدرّ به أموالا ويستغني به عن الراتب الأساسي للإنفاق على المستلزمات لما تأثر هكذا بتسريحه. 

نحن الشباب ما زلنا في بداية حياتنا المالية، نستطيع الآن أن نتخذ قرارا في أن نجعل أولويتنا الاستثمار ثم الالتزامات، حتى نستغني في أي وقت عن الراتب، ولا نُلقي أنفسنا في مغبة الديون. 

السؤال الذي أسأله نفسي الآن: كيف أستثمر، وفيمَ أستثمر، ومتى أستثمر... ؟

وهذا ما أنوي البحث والقراءة والتعلم عنه - بإذن الله-، فإن عاقب ة الجهل شديدة مريرة. 


الجمعة، 23 أبريل 2021

هو ليس أنت

 ٢٣

                                    هو ليس أنتَ


يُحكى أنّ شابا كان يعيش وسط عائلة كبيرة ممتدة، تتطلعُ إليه دائما بعين لوّامة وبلسان نمّامة، شعر بأنّه منبوذ، تتقاذفه سيئات الظنون في كُل المحافل.

مَن يعمل معه يراه شابا طموحا هادئا رزينا خلوقا، ومَن يقترب من عالمه يغدق عليه بإحسانه وإخلاصه ووفائه.

....

لا تتعجبوا من أمر هذا الشاب فهو يكاد يوجد في كُل عائلة، ولا توجد به مُشكلة ولكن المجتمع هو رأس المشكلة.

يولدُ الناس بشخصيات مختلفة، بين هادئ صامت يميل إلى العزلة وفوضوي كثير الكلام يُدمن التجمعات وفي كل يوم يقيم صداقة جديدة.

الخلل الذي نعاني منه في مجتمعاتنا هو أنّنا نُريد كُل الأشخاص مثلنا، نظلم الشخص الذي تقفُ التجمعاتُ مع الغرباء كغصةٍ في حلقه بوصفه متكبرا ومتباهيا.

قالت لي إحداهن يوما:"أشعرُ بالاكتئاب ما إنْ أسمع خبرَ تجمع كبير يحضره الغرباء وإنْ كان التجمع بعد شهر".

الذين لا يملكون هذه الشخصية يعدّون هذا مبالغة وتعنّتًا، ولا يدرون أنّ بعضهم عندما يُرغمون على تجمعٍ يعودون بدموعهم منه.

هناك أشخاص تعودت سماع الكلام عنهم من خلفهم أنّهم "بطرانين"، ويُتناقل هذا الكلام عنهم لأنّهم لا يعرفون كيف يندمجون مع الآخرين. كنتُ أُصدّق ذاك في صغري وعندما كبرت وفهمت معنى "تنوع الشخصيات"، عرفتُ أنهم ليسوا كذلك واللوم يُلقى على الوعي عند غيرهم.

الكثيرون يحاولون الضغط على أصحاب تلك الشخصيات، سواء باللوم أو بالمحاضرات أو بالزعل أو بالاستهزاء، وهم لا يدرون أنّهم بهذا يُبعدونهم أكثر وأكثر ويبنون جسورًا شامخة بينهم.

أمّا مَن يُشعرهم بالأمان، ويتفهم محاولاتهم للاندماج والوقت الذي يحتاجونه ولا يُمارس عليهم أي نوع من الضغوط سينجح في تخليصهم من عقدة الاقتراب إلى مجلسه متى رغبوا هم ذلك.

يجب أن نعي دائما قبل أن نحكم على أي إنسان أنّه مُختلف عنّا، وله شخصية مُستقلة، ورغبات مباينة، واهتمامات خاصة؛ فنعذر بعضنا ونتيح المساحة الواسعة جدًا لبعضنا ونترك الضغوطات الاجتماعية الخانقة فإنها وباء.


الخميس، 22 أبريل 2021

يا عليم

                                 يا عليم

كم مرة بلغت القلوب الحناجر وتصببت الدموع مدرارا وكاد السواد يلتهمنا، فجاء النداء من عين الروح المكلومة:

"يا عليم"؟ 

فتزعزعت به القيود وانفرجت به غيوم العيون وانكشف ضوء الخلاص.

ما زلتُ أتشبثُ بهذا النداء لينقذني في كُل مرة تُلقيني الوحدة في سجونها وترص عليّ بقضبانها..

أتلفتُ يمنة ويسرة ولا أرى بشرًا يُداري الخوف الذي بقلبي، يُطمئن القلب ويسكب الأمان، يفهم الضعف الذي يعتريني فألوذ إلى العليم.

يأسرني هذا الاسم دائما، أشعرُ به قريبا جدًا إلى قلبي، وأردد دائما: الحمد لله أنّه يعلم كُل شيء.

قد تُظلم ويخنقك خطر البوح وتتذكر أنّ الله يعلم تفاصيل وجعك.

قد تعصف بك الحيرة، لا تدري أين الصدق وأين الكذب وسط هذه الفوضى، فتلتجئ إلى العليم الذي يطّلع على السر وأخفى.

قد تُداهمك المشاعر المضطربة التي لا تدري من أي بقعة أتتك، ويلومك عليها أقرب الناس إليك، فتُنادي بملء فيك: يا عليم، الحمد لله أنّك تعلم ما في الصدور فأنقذني من نفسي.

قد تبذل وتجتهد وتتعب فيأتي مَن يبخس هذا كُله وينكره، فيواسيك النداء: يا عليم، أنت تعلم أنّي سعيت.


اهدأ يا صاحبي، لا ترتبك من أيامك ولا تخش من مستقبلك، يكفيك الله بعلمه، آنِس وحشتك وأنت تستشعر: {وهو معكم أينما كنتم}.

كلا لن يضيع لك تعب ولا جهد ولا حزن والله يعلم ما في السماوات والأرض.


الحمد لله على علمه. 

الأربعاء، 21 أبريل 2021

على شرف أوريدو

 ٢١


              *على شرف أوريدو*


لا يوجد نص، مر يومان تبعثرت فيهما الخطة تبعثرا فظيعا وأوريدو تتحمل المسؤولية الأكبر في هذا.

منذُ أمس ونحن نتسوّل الشبكة مثل الشحاذ الذي يتربص الأوقات المناسبة ليحصل على بُغيته.

تطل علينا الشبكة دقائق وما تكاد حتى تهرب مكركرة من إنزعاجنا الشديد، وأهلها يُعيدون لنا السيمفونية التي نخشى أن ننسى أسماءنا وتبقى وحدها في الذاكرة من طول الترديد:"أغلقوا المودم ربع ساعة، قدموا بلاغا في التطبيق، أرسلوا إحداثياتكم، اضغطوا على" reset" مطولا، أرسلوا ثلاث سرعات للشبكة..."

وفي النهاية يستسلم الطرفان ونبقى وحدنا نُعاني.

مِن عجائب خدمات الاتصالات معنا أننا ندفع القيمة كاملة لخدمات ناقصة  مبتورة مترهلة لا تستسيغها النفوس ولكنها تهفو إليها.

نعوذُ بالله من الحاجة إليهم، ولولا الاضطرار لما شهدوا آثار أقدامنا بجانب مراكزهم.

أعمال المدرسة تتراكم وتترقب من يخلصها من انتظارها والطلاب يصرخون:"الشاشة سوداء، أستاذة صوتك يتقطع، الأستاذة أخرجتها الشبكة..."

والغيظ يتراكم في صدورنا ونعوذ بالله من الغيظ.

هذا النص لا أدري إن كان سيصل أم لا، لأن حياتنا محصورة في وجود الشبكة وكذلك تحدياتنا.

الثلاثاء، 20 أبريل 2021

{ولا تنسوا الفضل بينكم}

    ٢٠

                           {ولا تنسوا الفضل بينكم}


كنتُ أُحدّثُ صديقتي قبل أشهر بأسف على أشخاص كان بيننا عيش وملح ومواقف ووقفات وذهاب وإياب، ثم عندما حالت بيننا الأماكن والظروف أغلقوا كُل الأبواب.

ليس اللوم على البعد فهي سُنة الحياة ولن تستطيع أن تبقى مع كُل البشر الذين تصادفهم وتتعامل معهم، وللناس ظروفها وانشغالها. لكن اللوم على مَن يسد كُل النوافذ ويعاملك كأنك لم تعرفه يومًا، فقد تُرسل له تهنئة ثم تعزية ثم سلام ثم خبر اشتياق وهو يعاملك كالهباء المنثور ويبخل عليك حتى بردّ بسيط أو رد السلام.

قد يقول الكثير هذه حرية شخصية، وهناك فعلا من الناس المزعجين الذين لا تتوقف رسائلهم، وهذا صحيح ولكن فلنتذكر قول تعالى:{ولا تنسوا الفضل بينكم}، فلن يضيركم رد سلام ما دام الشخص لم يضركم، واحتسبوا نية شكر الله على تسخيره لكم في يوم ما، واخفضوا جناحكم للمؤمنين.

وهناك فئة من الناس ما إنْ تشتت العلاقة أباحوا كشف أسرار الصديق، وأخرجوا كُل المساوئ، وهم لا يُبالون بنشح أسراره وضرب المثل به في كُل محفل.

حتى وإن فنيت العلاقة:{ولا تنسوا الفضل بينكم}.

أمّا إن كانت العلاقة قائمة، فاجعلوا الآية نُصب أعينكم وعددوا أفضال الأشخاص وازدادوا بها حُبا وقُربا وحاربوا بها أيام الضيق والعتاب.

فمَن عوّد نفسه بتذكر أفضال الآخرين وذكرها وشكرها، لن يغفل عن تذكر صاحب الفضل الأعظم، الذي لا تُعد ولا تُحصى نعمه سبحانه وتعالى؛ أفلا نُدرب نفوسنا على{ولا تنسوا الفضل بينكم}؟

الذي يحدث في زمننا هذا أنّ الناس ينسون ويجافون ويُكابرون، حتى إذا أخذ الله أمانته وتحقق الفقد الأكبر طفقوا يذكرون الخصال ويندبون أنفسهم على التقصير ويتمنون لو أنهم كانوا وكانوا، وهيهات.

ليس المطلوب منا أن نتبع كُل صاحب فضل علينا، فلا يكاد يمر بنا إنسان إلا ويُقدّم شيئا، لكن إن حضروا بأنفسهم لا نصدّ عنهم وخاصة إن اشتدت بهم ضائقة شعروا بسببها أنهم فُرادى لا أحد يسندهم، ورُبّ كلمة طيبة أنقذت إنسانا من ظلمات الكآبة وصاحبها لا يدري. 

{ولا تنسوا الفضل بينكم} 

الاثنين، 19 أبريل 2021

أي القلوب تملك؟

 (١٩)

                              أي القلوب تملك؟ 

{ولا تخزني يوم يبعثون، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا مَن أتى الله "بقلبٍ سليم"}

   نتصارعُ مع الأيام، ونلهثُ من طول المسير، ونقلّبُ بعضَ الصفحات في البرامج المختلفة وننسى مَن نحن.

هل خامرك شعورٌ يوما بأنّك فقدت نفسك؟ اشتقتَ إليها؟

...

عندما تقع عيني على بعض التغريدات أحيانًا أتساءل عن كَم الحقد الذي يفور في نفوس هؤلاء الخلق؟ تشعرُ بصدورهم تغلي عند كلمة حق وودّوا لو يجمعوا جيشا عرمرما للقضاء عليها.

عندما تبدأ رائحة عكرة تخرج دالة على لواعج قلبك المريضة فأنتَ قد وصلت إلى مرحلة الخطر، أن يرى كُل الناس كم تتميّز من الغضب انتصارا لنفسك.

ولهذا يا رفيق تعهد قلبك كل يوم، لا تفقده بريقه ولا تهمله في زحمة الأشغال.

أنّى لنا هذا؟

سأطرح على نفسي وعليك أسئلة نغور بها داخل كهوف نفوسنا لنغسل السواد بإذن الله.

- هل تملكتك رغبة في يوم ما بأنّ لا يحصل فلان - صديقك أو قريبك- على ما يطمح له؟ شعرتَ برغبة جامحة لأن يخسر؟ إنّه الحسد. فاستعذ بالله وادعُ لصديقك وشجعه، عاكس شعورك. 

-هل تفجّرت في نفسك مشاعر الحبور والفرح وأنت تؤدي الشعائر، وتشعر أنّك قد بلغت المرحلة السامية؟ إنّه العُجب.

ودواؤه بأن ترجع الفضل إلى الله الذي وفقك إلى هذا وتعلم أنّك مهما فعلتَ لن تُوفي شكر نعمة من نِعم الله.

-هل توهمتَ يومًا الثبات وأنّك لا يُمكن أبدًا أن تحيد عن الطريق وأنّك أفضل من فلان وفلان؟ اخشَ على نفسك لأنّ بداية السقوط أنْ يظن الإنسان أنه آمن من الانحدار وأن يستصغر غيره.

-هل أخذتكَ العزة يومًا من أن تقبل الحق من إنسان تظنّ أنك أشرف منه لنسب أو جاه أو مظهر؟ إنّه الكبر، ولا يدخل الجنة مَن كان في قلبه ذرة من كبر.

-هل انتفخت أوداجك وأنت ترقب نظرات الناس لعملك الصالح وتتمنى لو رآك أحدهم وأنتَ تفعل هذا وهذا؟ إنه الرياء، أشدّ أمراض القلوب فتكا.

-هل حسبتَ أنّك تستطيع صد أخطار الشيطان وجنوده بنفسك وأنّك قوي عليه؟ إنّه الغرور، فاعترف لله بضعفك وأنّه لا حول ولا قوة لك إلا به.

-هل قلبك مُمتلئ بالحقد على فلان وفلان وتتربص بهم ليل نهار؟ 

....

أسئلة كثيرة نستطيع أن نطرحها على قلوبنا كُل يوم، نحنُ أُناس مُعرضون دائما لهذه الخواطر لكن هُناك مَن ينتبه إليها ويلجمها ويقضي عليها قبل أن تنمو، وهناك مَن يهملها فتنتشر في قلبه كالحشائش الضارة وتبثّ السموم في روحه حتى لا يدري ما وقع له وما الذي لطّخ قلبه.


أفلا نستغفرُ الله من أمراض قلوبنا وندعوه بأن يُطهرها ويثبتنا على الحق إلى أن نلقاه بقلب سليم؟

أدمن في دعائك قول: اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك وطاعتك، طهّر قلوبنا من الرياء والكبر والغفلة والغرور والعجب والحزن والكرب، ارزقنا عبادتك حتى يأتينا اليقين يا الله". 



الأحد، 18 أبريل 2021

هذيان٢

 (١٨)

                               هذيان٢


 كيف للمرء أنْ يكتب وعقله غافٍ؟

أتذكرُ نص أمس الذي نُشر دون مراجعة، لا أدري ما فيه، كانت في ذهني فكرة وحاربتُ المرض لأكتبها. عندما أنهيتُ الكتابة قلتُ لا بأس بعد التحدي سأُصفّي المدونة مما لا يستحق النشر.

والحال اليوم صورة من حال البارحة، لدي فكرة مهمة لكن لا أريد أن أضيعها في نصّ مشتت.

 أتأملُ المرض في رمضان، اعتدتُ أن يلتهب حلقي في فترات متقاربة، لكن هذا الاعتياد لم يخفف من وطأة الألم يوما، وإن سألني أحدهم:" ما أشد الأمراض ألما؟" لقلتُ التهاب الحلق.

أكادُ أول مرة أتعامل مع الألم بهذا الشكل: أن أحاول نسيان ألم الساعة في انتظار الشفاء، أن أستشعر أنّ كُل أمر المؤمن خير، حتى الشوكة يؤجر عليها فكيف بهذا الألم الذي يصيبني بالأرق.

اللهم هذا الصبر والرضا، فطهرني بالألم واكتبني مع الصابرين.

أُردد الحمد لله، أكبر أوجاعي التهاب الحلق، وهناك جمع كبير أصبحت المستشفيات بيوتهم والأنّات لهجتهم - عافاهم الله من كل سوء-.

يا رب، إنّ المرضى يتوجهون إليك بقلوبهم، وإن خذلتهم أجسادهم.

يملأني اسم اللطيف بالسكينة وأنا أتذكر أنّ نية المؤمن خير من عمله.

يا رب أنتَ تعلم أنّنا لم نك لنتخلّف عن السباق لولا الوجع الذي يحاصرنا ويرغمنا على السكون.

يا شافي يا معافي، اشفِ جميع مرضى المسلمين.. 

السبت، 17 أبريل 2021

اهرب!

 (١٧)

                                اهرب!

قالت لي يومًا إحدى الرفيقات:" تتميزين بقوة إقناع ولكنك لا تستغلينها"

كم استقويتُ في حياتي الذين يتناقشون ليل نهار ولا يكلون ولا يملون، إن قلتَ لهم أُحب الفراولة أكثر من التفاحة سيناقشونك.

في الأيام السالفة كنتُ أناقش بعضهم ثم تبينتُ أنّ الكثير يناقش لأجل النقاش فقط لا لأجل الوصول إلى الحق.

وهذا ما اعترفت به واحدة بقولها بعد نقاش طويل:"أنا لا أخالفك الرأي، لكن" ما يهجيني ما أناقش"".

حديثي ليس عن ذم النقاش بذاته، ولكن عن قوله تعالى:

﴿لَو خَرَجوا فيكُم ما زادوكُم إِلّا خَبالًا وَلَأَوضَعوا خِلالَكُم يَبغونَكُمُ الفِتنَةَ (وَفيكُم سَمّاعونَ لَهُم) وَاللَّهُ عَليمٌ بِالظّالِمينَ﴾

هناك من الناس مَن لا يستكشفون خبايا نفوسهم ولا يرون ضعفها ولا يعترفون بتأثرها فيخوضون في كُل بحر وهم لم يتسلحوا فيصدق عليهم قول تعالى:{وفيكم سمّاعون لهم}.

ألا يتعب قلبك يا رفيق وأنت تجادل ليل نهار؟ ألا تشعر النفس بالرغبة في الهدوء؟ لا بأس أن تدافع عن الحق لكن راقب نفسك جيدا وإن مالت ميلا خفيفا لفكرة باطلة فاعلم أنها بدأت تسمع وتنصت إلى الباطل وتتأثر!


‏{واحذرهم أن يفتنوك عن بعضِ ما أنزلَ اللهُ إليك}

آية هزتني وأنا أتلوها فجر اليوم، سبحانه الذي يحذرنا ويعطينا كُل مفاتح النجاة ثم نضل ونغيب.

كثير منا يخوض في أي شيء فقط ليملأ فراغه، ثم لا يرى نفسه إلا في ظلمات الفتنة لا يدري أين طريق العودة، ولم يعد يميز بين الحق والباطل.


اعرف قدر نفسك وجنبها مواطن السوء واحذر من كثرة مجالسة أهل السوء لكيلا يجرونك إل ى تجرّع كأسهم. 

الجمعة، 16 أبريل 2021

انتظار..

 (١٦) تحدي الثلاثين

                               انتظار

تفتح صفحة الملاحظات، البقعة المباركة الآمنة لقلبك، كُنتَ قد خططت للنص الذي ستكتبه ولكنّ خبرا هزّك، أعاد لك كُل الصور العابرة في ذهنك، والكلمات والابتسامات والحركات والسكنات..

اللهم اشفهم..

كم هذا الإنسان ضعيف، يلتقمه الداء ويغيب إلى مكان بعيد وتبقى قلوب من حوله تضخّ بالقلق، تلهج دون شعور بالدعاء.

يا الله، ما أقسى شعور الانتظار، حتى إن كان انتظار السعد، فكيف بانتظار شفاء حبيب لا نعلم حاله..

عندما تتخيل أنّ ذاك الجسد النشيط الذي له صولات وجولات يسقط في جُب المرض، يتألم فيتقطع قلبك، تتخيل أهله ودوامة القلق السوداء التي ستدور بهم طويلا.

اللهم اشفهم..

{وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو}

يا فتّاح، يا مَن يعلم ولا نعلم، يا من له القوة والجبروت، يا شافي المريض ومُغني الفقير، كُن معهم ومع كُل قلب مكلوم وبشرنا وبشرهم وارحم أجسادًا تئن يا الله وخفف عنهم. 

الخميس، 15 أبريل 2021

{إنّا كفيناك المستهزئين}

                      {إنّا كفيناك المستهزئين}


"طوبى للغرباء"، كلمات ترددت في خافقي كثيرا وأنا أُبصر تبعثر الفساد في كُل مكان، قُمامة السوء ملقية على الطريق، وأكثر الناس لا يؤمنون!

رسالتي اليوم عن صديقي الذي قبض على الجمرة بكلتا يديه ووقف جبلا شامخا في وجه المستهزئين، الساخرين الذين يكيلون له الألقاب ليل نهار.

لعلّ قلبك نبض بالوجع يوم ألقى ذاك السفيه لقبا ساخرا على شكلك، أطلتَ لحيتك بعد جهاد مع النفس فبدأ جهادك مع الناس، الذين لا يفترون يُحبطون غيرهم عن اتباع الخير بدلا من تشجيعهم. سينعتونك بأقذع الألفاظ وسيتربصون بأفعالك إذا خالطها شيء مما لم يعجبهم.

وأنتِ يا صديقتي سيحاربون حجابك الشرعي ويصورون لكِ إنّك غير أنيقة به، وقد يستخدم أحدهم القوة إن عزمتِ التنقب والابتعاد عن الفتنة.

يلمزونك في مجالسهم إن ذكرتَ حُكما من أحكام الحق ولم تُعجبهم، وإن اكتفيت بفعله بنفسك، لن يتركوك.

سيتأففون من مجالستك لأنّ ضميرك يفزّ عند الغيبة والنميمة، وفحش القول الذي انتشر في الأفواه كالداء المُعدي.

ستواجه الكثير في هذا الطريق يا صديقي، ستُفتن كثيرا وتبكي كثيرا وتخاف كثيرا، لكنّ قلبك سيبقى حيّا وهذا المهم.

أُريدُ منكَ أن تستشعر أنّ الله ينظر إليك، يرى جهادك وصبرك وتحملك وتمسكك، وهو الذي أنعم علينا بإحسانه فكُلّ شيء هيّن في سبيل قُربه. 

ولتعلم أنّ هذه سُنة الحياة، فلستَ أول شخص سيتعرض لهذا ولا آخر شخص، فما قاساه أنبياء الله وأصفياؤه أعظم مما نقاسيه، ويا للغبطة في أن نشاركهم جهادهم ونكون معهم في نفس الصف الذي كانوا.

لا تتذبذب - يا صديقي- ولا تتردد، وأنتَ على الحق المبين، اجعل كتاب الله سلوتك وغذاء صبرك واصحب الصالحين ممن يصدعون بالحق ولا يخافون لومة لائم.

وتضرّع إلى الله أن يحميك من مغبّات شياطين الإنس والجن، واصبر واصبر واصبر؛ فإن سلعة الله غالية. 

الأربعاء، 14 أبريل 2021

اعرف عدوّك

 

             ١٤ 

                    اعرف عدوك

"اعرف عدوّك"، نصيحة يتداولها الناس منذ زمنٍ طويل؛ فهل تفكّرت في معرفة عدوك الحقيقي؟

الشيطان الرجيم الذي يعمل ليل نهار ليجرك إلى أسفل سافلين ثم يتبرأ منك. لابد أن تراه! وإن لم تك عينك تُبصره، فانظر إليه بقلبك الحذر، تمعّن في خطواته فإذا تكشّفت لك سَهُل عليك اجتنابها.

الشيطان يا صديقي يتعامل مع الإنسان بخُبث فيُسقطه من حيث لا يشعر، ويسكب في أذنه المبررات حتى تكون المعصية هي أحبّ إليه من الخيرات، بل يظنها هي الخير ويدافع عنها.

إن كُنتَ مؤمنا حريصا فسيبدأ بنخر طاعاتك، من النوافل والأذكار والسنن ثم التقصير في الفرائض والعياذ بالله.

وما إنْ يصل بك إلى هذا حتى يبدأ بتشكيكك في حكمة أوامر الله حتى يجرّك إلى التشكيك الإيماني.

يعدّ لك جنوده، قد يكون صديق سوء تصحبه ويعينك على الباطل هو من جنود الشيطان؛ فاستعذ بالله من شياطين الإنس والجن.

انتبه!

إن عزمتَ الاستغفار وشعرتَ أنك خاو من الذنوب وليس معك ما تستغفر منه فهذه من ألعايب اللعين حتى يصدّك عن الرجوع، استغفر عن الماضي والحاضر، عن الذي تعلمه والذي لا تعلمه، استغفر الله على تقصيرك في طاعاتك وقلة سعيك لرضاه، ونسيانك لشكره، فإنّه سبحانه يمتدح الأوابين، وارجم الشيطان الرجيم بكثرة قراءتك للقرآن فهو دليلك وكاشف لك تلك الخطوات، خطوة خطوة لتجتنبها.


فافتح مصحفك الرقمي يا صديقي وابحث عن كلمة "الشيطان" وركّز في أساليبه واعزم على الانصراف عنها. 

الثلاثاء، 13 أبريل 2021

نفحات من عجائب الدُعاء

       اليوم (١٣) من #تحدي_الثلاثين    


                       نفحاتٌ مِن عظمة الدعاء


إنّني أُبصرُ تعجبكَ - يا رفيق- من فتح نفس الباب مرارا وتكرارا، باب الدُعاء.

وإنّي مؤمنة بما تقول، لكن بودّي أن تلجَ إلى قلبي فترى سيول المشاعر للدعاء تجري بداخله.

كم يتضوّر المُحب جوعا لمجالسة حبيبه ويودّ لو أنّ الدهر يتوقف عند تلكم اللحظة التي لا تنتمي إلى الأرض بل إلى السماء وسعتها وتراقص سُحبها.

أفلا نكون مُحبّين لله ونحنُ في كُل رمشة نرى ازدحام نعمه حولنا، يُسخّر لنا ما نراه وما لا نراه ويُكرمنا بعطايا غير منقطعة ولم نحسب لها ولم نسألها.

فإن رُزقنا أن نكون ممن قال عنهم سبحانه:{يُحبّهم ويحبونه}، فلا ريب أنّنا سنهفو إلى القُرب وإلى المناجاة وإلى لحظات النعيم.

إنّ الدعاء - يا رفيقي- هو حبلك السرّي الذي يُغذّي قلبك بالسكينة وأصناف الرحمة، بل هو قوتك لعباداتك الأخرى.

تخيّل أنّك تُخاطب العظيم وتتضرع إليه، وترجو الرحيم وتستأنس بلطفه وتجري القشعريرة في خلاياك، بهذا أنتَ تبثّ الروحَ إلى أذكارك طوال اليوم وإلى صلاتك وإلى عباداتك لأنّك ستؤديها لمَن تُحب، لمَن تنتصب كُل يوم لتدعوه فيُريحك.

فإنْ أردتَ أن تخشع في شتّى عباداتك، اتبع قول المولى:{فإذا فرغت فانصب، وإلى ربّك فارغب}.

قد تسرقنا الحياة وأشغالها، فلا نكاد نُسلّم من الصلاة إلا ونحن نجري إلى عمل ينتظرنا، وهذه هي الأيام العجاف التي يجف فيها القلب ويتشقق وتذبل زهور الروح، وتختنق الصدور.

اغتسل يا رفيقي، وارغب إلى الله مُستشعرا سمعه وبصره وعظمته ولطفه ورحمته وآمانه، وابدأ بحمده حمد الصادقين الغارقين في نعمائه، المعترفين بفضله وسبّحه تسبيح الخاضعين لعظمته والموقنين بقدرته، ثمّ استعذ به من الشيطان الرجيم الذي لا حول لك ولا قوة لصدّ وسوسته إلا أن يمنّ الله عليك فلا يجعل له عليك سلطانا.

واستغفره يا رفيقي وأطل في استغفارك، فما نحنُ إلا كومة ذنوب تنكت على قلوبنا فتسودّ أيامنا، استغفره وتخيّل النُكت تزول واحدة تلو الواحدة والران يذوب.

ثم ادعُ لقلبك، هذه المُضغة المُتقلبة التي لا نأمن تبدلها في غمضة عَين. قد كثُر المتساقطون فلنتضرع إلى اللهُ أن يُثبّت قلوبنا على عبادته وطاعته حتى يأتينا اليقين، ونعتصم به من أمراضها من رياء وحسد وحقد وكرب وكبر وعُجب وغفلة.

ادعُ بنجاة الآخرة ثم صلاح الدُنيا وأخبر الله بكل شيء.

تعبك الذي تجاهد لتغليفه عن النّاس، وكربك الذي لا يفهمه أحد، ورجاؤك الذي خبأته جيدًا، اسكبه عند الله فإنّه قريب، قريب يُجيب دعوة الداعي..

استشعر قُربه وأحسن الظن بإجابته ولا تملّ من ذكر عظمته؛ فهو القادر على كل شيء، بيده الأمر كُله، يُدبر الأمر من السماء إلى الأرض وهو عليه هيّن.

وادعُ اللهَ أن يوفقك للدعاء، فهو رزق منه، فإن رزقك فاحمده ليل نهار.

وادعُ لي

الاثنين، 12 أبريل 2021

كطيّ السجل

 اليوم الثاني عشر من #تحدي_الثلاثين 


                            كطيّ السجل


هاهي آخر ليلة في شعبان تُنادي بغبطة:"يا معشر المسلمين، أشعرتم بالدهر يطوي أيامه كطيّ السجل للكُتب؟ 

فهلموا إلى شهر الخيرات واعلموا أنّ الساعات لا تتوقف لنوم إنسان وكسله؛ فاسبقوها قبل أن تسبقكم واملأوها بما أنعم الله عليكم بالتوفيق لأعمال الخير"

...

لم يولد هذا النص للتذكير، فقد خنقته الدقائق بعجلتها السريعة وداست الأشغال على أفكاره.

لكنّه أتى ليُخبركم، حتى إن لم تتهيئوا في شعبان لا تتراجعوا قبل بدء السباق، اكتبوا أهدافكم واضحة وسطروا خطتكم المحكمة، ابدأ اليوم ولا تؤجل.

رزقني اللهُ بنفسٍ حارة لا تهدأ حتى تكمل أعمالها التي لا تنتهي وهذا سبب غرقي. خاطبتُ نفسي اليوم أن اهدئي واستكيني وانظري إلى روحك، لن يهرب العمل منك ووقته مُتّسِع، انظري إلى روحك وتنعمي بلذة القُرب، بلذة أنسام رمضان الندية.

كنتُ قلقة بتكليف الكتابة في رمضان وعندنا تأملتُ الأمر قررتُ أن أجعله سلاحا للحقّ في رمضان، أُرطب بالحروف قلبي وقلوب القراء وعسى أن يرزقني الله ويلهمني.

لن أُطيل عليكم الليلة، سأوصيكم فقط بكثرة الدُعاء فهو زاد التطهير اليومي الذي يغسل الأحزان والأثقال، أن تُخبر الله بكُل شيء ويسمعك ويُنزل عليك سكينته، تالله إنه النعيم.

وأن تُكثروا من تعديد النيّات، فإنها تجارة العُبّاد الأذكياء، اكتبوها وشاركوها غيركم واسألوا عنها، ولا تغفلوا عن النور، عن الكتاب المبين. 

الأحد، 11 أبريل 2021

الفقد🍂

 اليوم الحادي عشر من #تحدي_الثلاثين 


                       الفقد


إلى تلك الروح التي كانت أقربُ إليّ من نفسي فحجبتها الأيام والأفكار والأبواب، في كُل لحظة يتوقف قلبي وينبض دونه الشوق وتأخذني الغصة إلى الضفة الموجعة أنقذُ نفسي بتذكر أنّها لم تعد تُبالي، فلِمَ هدر العيون؟

يسكنني العجب وأنا أرى تقلّب الأحوال، مَن كان يظن أن سميرك في لياليك ونديمك في صباحاتك سيغيب، ويصبح غريبا..

ستتردد ألف سنة قبل أن تبثّ له ولو برسالة بسيطة وستعذل هذا الشوق الذي يجتاحك.

لا يكاد يوجد إنسان لم يُجرب شعور فقد إنسان ما زال على قيد الحياة، فتنقلبُ السورة وتتحول العفوية إلى رسمية وقد يختفي كلاهما.

ولطالما وقفتُ على أطلال هذه العلاقات وأنا أردد:{كُل مَن عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}.

نعم، هذه الحقيقة وإن تغافلنا عنها بُغية الإنكار، الفقد قادم لا محالة وإن تعددت أسبابه؛ فانتبه لقلبك - يا رفيق- لا تتعلق بأي شيء وبأي أحد إلا بالله.

لا تتعلق بولدك وبوالديك وحبيبك وصديقك، اجعل علاقاتك صحيّة وإن كان لابد من الألم في كُل حال فهذه شيم الإنسان لكن لا تقتل نفسك.

الله اللطيف رزقنا نسيانا نعبرُ به الأيام القاسية، نضمّد به جروح الفقد فاغتنم هذه النعمة ولا ترفضها فتندب حظك ليل نهار.

لا تلم حزنك، احزن وابكِ لكن لا تغرق، ادع الله أن يربط على قلبك.

كتبتُ يوما:

"‏الفقد ليس شرطا أن يكون محصورا في الأشخاص؛ قد تفقد شيئا بداخلك كان راسخا هناك كالجبال، تؤمن به بشدة وتستند إليه فصار مثل الضرس المقلوع الذي خلّف فراغا فأصبح كل شيء يقع مكانه يؤلمك، بعدما كان - ذاك المكان- يجعلك مستمتعا بالأطايب."

ستفقد أشياء كثيرة في حياتك، إيّاك أن تفقد قُربك من الله وأُنسك بذكره.

اللهم اربط على قلوب الفاقدين ولا تعلق قلوبنا إلا بك وحدك، ونعوذ بك أن نضل عن سبيلك. 

السبت، 10 أبريل 2021

هل أنتَ مُبتلى؟

 اليوم العاشر من #تحدي_الثلاثين 


                      هل أنتَ مُبتلى؟ 


إيه يا صديقي يا من عاثت بِكَ الأيام وأفسدت فرحك واستأصلت قوتك، إنّني أشعرُ بكَ وإن لم تتكلم.

أُبصرُ انعكاس قلبك في عينيك الذاويتين، وجهد روحك في أنفاسك الطافحة، لعلّ لواعجك تهدأ قليلا إن علمت أنّ نفسًا تُقاسي بعضا مما تقاسيه.

لن أقول مثل ما تقاسيه، لأنني أعلمُ أنّ ألمك أكبرُ من أن يحيط به المشفقون، وهذه طبيعة النفس الإنسانية تنسى وتغفل عن حزن غيرها فلا تلمهم بل اشكر الله على نعمته هذه، فلو كان الناس لا يتسلون عن أوجاع غيرهم لما بقي لهم قلب.

ولكن اعلم يا صديقي أنّ كُل إنسان مُبتلى، وإنْ حسبه الناس يتقلبُ في رحاب الراحة وإن رأوا ابتسامته الصافية كُل صباح فاعلم أنّه مُبتلى، وهذه سنة الحياة.

كنتُ أتعجبُ من أناس انكشفت لي صفحتهم في الحياة وصعقتُ بالمصائب المنقضّة عليهم بأنيابها، ولكنهم صامدون، يضحكون ويعملون..

لطالما تساءلتُ: أنّى لهم هذا؟ هل مشاعرهم تجمدت.

أبصرتُ - ولله الحمد- حوض نجاتهم الذي يستقون منه كلما هزلت أرواحهم وكادت تجف، وما زلت أتضرع إلى الله أن يرزقني كما رزقهم.

يا صديقي إنّه "اليقين" الذي يتبعه الرضا، أنْ توقن بأنّ الله ينظر إليكَ، يعلم خلجاتك، يرى دموعك التي لا تهدأ ولا ترفأ، ويُبصرُ قلبك الذي يحترق، فيبسطُ لكَ يدَ رحمته وسكينته فتهدأ، يقذفُ باليقين في صدرك فتُدمن الحمد ويصبح جزءا من كيانك.

تُوقن أنّ المؤمن يؤجر على الشوكة تطعنه بخفة، فكيف بوابل من الألم ينسكبُ على قلبك وجسدك؟ بخٍ بخ

تُوقنُ أنّ هذه الدنيا دار عناء واختبار، والتتويج يترقبك، ووسام الشرف يترقبك ولقب الصابر يترقبك.

ويا للغبطة وأنتَ تتخيل أنّ هذا الرضا يُطهرك، لا يُبقي دَرنا ولا يذرُ رجسا، ويا للعجب أنّه يُخففك من حيث تحسب أنّ الوجع يثقلك.

نعم - يا صديقي- الرضا يُخففك، لن تنال جزاءه في الآخرة فحسب، بل كذلك في خضم المعركة تبتسم وتركض وتمرح وكأنّك تصرخ بملء فِيك في وجه الوجع:"فاقض ما أنت قاض إنّما تقضي هذه الحياة الدنيا"، وأبشر بفرجٍ يُنبت لك جناحين فتسبح في سماء الحبور.

ادعُ الله كثيرًا - يا صاحبي- أن يرزقك اليقين وبعده الرضا؛ فإنهما رزق من الله، وارتقب فرج الله ولا تيأس.

وادعُ لي


ميعاد الحارثية

٢٧/ شعبان/ ١٤٤٢

الجمعة، 9 أبريل 2021

هذيان

 اليوم التاسع

                            هذيان

إنّها الجُمعة، يوم يتجمع فيه الأهل ويتسامرون، تشعرُ فيه أنّك تودّ لو تُلقي بكل شيء وراءك وتكتفي برؤية وجوه مَن تُحب، تطرب لضجيج أصواتهم ولركض الأطفال وطلباتهم التي لا تنتهي. في هذا اليوم تنسى كُل إرهاق الأسبوع وتكتفي بالتنعم، يمدّك بالطاقة لتبدأ من جديد، رغم أنّ بعض ملامحه البرّاقة اختفت، تسابق الرجال بأبهى حُلّة لصلاة الجمعة، والخطبة التي نسمعها من البيت أو نذهب للإنصات لها في المصليات، اللهم أعدنا إلى بيوتك ولا تحرمنا بذنوبنا.

بعد ثمانية أيام من التحدي بدت لي فكرة الالتزام بالكتابة مُرهقة، لنا وللقراء؛ قبل قليل قالوا لي:"لا تكتبي كل يوم، لا نلحق نقرأها كلها!"

ولكن تبقى الحقيقة أنّ لهذا الالتزام لذّة، أن تكون الكتابة جزءا من أيامنا لا غنى عنها ولا مجال للتهرب منها، بُغية التمكن.

لا أُخفي أنّي شعرتُ بقلق عندما قرأت مذكرة أروى قبل يوم، بدأ لي أنها سئمت وفي أي لحظة ستطلب التوقف لكنني شعرتُ بالحبور عندما رأيتُ نصها أمس.

الهدف الذي به اقترحتُ بدء التحدي كان واضحا أمامي: أريد أن أتدرب على الكتابة، أُقربها من كياني، وأهزم حواجز الخوف والتردد من الولوج إلى عالمها.

وها نحن ماضون. 


الخميس، 8 أبريل 2021

الزم باب بيتك

 اليوم الثامن من #تحدي_الثلاثين


                              الزم باب بيتك


قد يوحي إليكم العنوان أنّ النص متعلق بكورونا، ولكن لا تستعجلوا فهناك حديثٌ مختلف.

بعض المواضيع ما زال الناس يلوكونها منذ سنوات وفي كُل مرة يتفاعلون كثيرا مع قائلها، وهذا أمرٌ حسن لعل كثرة الطرق تُغيّر من فكرة شخص.

مما أوحى لي خطر هذه القضية وقوفي أمام طلاب الابتدائية كُل يوم، تبينتُ منه أنّ هناك فطرة أو شهوة مُركبة في الإنسان تجعله يتدخل في حياة الآخرين بغير وجه حق.

غالب الفوضى في الصف كانت تبدأ ب:"أستاذة فلان يشرب، أستاذة فلان يأكل، أستاذة فلان يلعب بالقلم..." وهلم جرا.

رغم تحذيراتي المستمرة إلا أنّ هذا الأمر كان يتكرر، لكنّه خَفتَ بفضل الله وبدأ الطلاب يستوعبون الدرس: أنتَ مسؤول عن تصرفاتك فقط ما لم يعتدِ عليك أحد، راقب نفسك ولا تراقب الآخرين وإلا أصبح العقاب لك.

مضت الأشهر وبدأ الطلاب ينظرون باستنكار لمَن يتدخل في أمر زميله؛ فلم تعد هناك حاجة لتذكيري.

أتذكرُ يوما ذهبتُ لزيارة سريعة عند أحد أقربائي وكانت معهم امرأة غريبة، قالت لي:"ليش تلبسين هذا كله؟!"، لم أنظر إليها ولم أرد لكنّي تأسفت من بعض الناس يستنكرون الستر!

الكثير من البشر يأكلهم الفضول، يمدّون أعناقهم ليتحسسوا ما يحدث داخل البيوت وإن جلستَ معهم تشعر أنّك في مركز الشرطة للتحقيق.

أنا التي أُقدّس الخصوصية يتملكني نفور شديد من هذه الفئة، لا أستطيع التعامل معهم ولا مصاحبتهم.

من حقّ كُل إنسان أن يحتفظ بما يملكه في نفسه، وإن كان صديقا لكَ لا تُكثر عتابه لأنه لم يخبرك عن هذا الخبر وذاك فتقف في حلقومه، فضلا عن كونك غريبا.

كلما كبرتُ ورأيتُ ما حولي أُقلّص حجم أسئلتي، حتى تلك التي اعتاد الناس تداولها مثل: متى تتخرج؟ متى تنتقل؟ متى تزور فلانا؟.

قد تكون هناك غصص مخفية خلف هذه الأسئلة التي نُلقيها وإن كان بحسن نية، ربما الشخص مريض لا يستطيع التخرج قريبا، ربما ليس معه مال، ربما وربما، فلماذا نُثير الأوجاع ونحن نوقن أنّه لا يوجد بيت لا يعاني من وطأتها.


فالزم باب بيتك ولا تقفز إلى بيوت الآخرين، ودرّب لسانك على قول:"ليس لي دخل"




*ملاحظة: هذا الكلام في الأمور الشخصية التي لا يدخل فيها إنكار المنكر الظاهر.


٢٥/ شعبان/ ١٤٤٢


الأربعاء، 7 أبريل 2021

شكاوى لا تنتهي

 اليوم السابع من #تحدي_الثلاثين 

                              

                               شكاوى لا تنتهي


نصُّ البارحة انحرف عن مساره، كنتُ أريد أن أجعله مذكرة لما حدث في اليوم، الذي استيقظتُ فيه من الصباح الباكر وفتحت الحاسوب مُباشرة لأنّ الهم قد ركبني وأنا لم أُجهز عرض الرياضيات الذي أريد تسليمه للتخصصي وتشرف عليه المعلم الأول. استغرقتُ تقريبا ثلاث ساعات لا أتحرك إلا بين شريحة وأخرى وبين البرامج والتطبيقات التي أود إضافتها وأنا أدعو ألّا تخونني الشبكة ولا يفتعل الطلاب الفوضى.

أنهيته! تنهدتُ وأنا أُبصر بنائي قد اكتمل، لكن فور ما انتهيت شعرتُ بأعيني تستغيث، فركضتُ إلى "القطور"، خشية الصداع الذي صعد رأسي المرة الماضية وصاحبني ثلاثة أيام يضربني في أوقات متناوبة كالرصاص، فلم ينفع أدول ولا تركُ هاتف ولا غيره، إلا بعدما نصحتني صديقتي أن أأكل البرتقال فهدأ قليلا، ولكنها حذرتني:"اشتري نظارة حجب الأشعة بأسرع وقت!"

للحظتنا هذه لم أشترِ النظارة لأنني لم أفرغ، أشعرُ بي أجري وراء الأيام والأيام تجري ورائي، ومع هذا الحظر أصبح وقت الخروج محدودا.

أقول لنفسي كُل يوم: يا ميعاد رمضان يقترب، خذي نفسا واستعدي، اخرجي من لجة الأشغال. لكن أنّى لي هذا وأنا أرى اصطفاف الأعمال طوابير حولي.

سأجدكِ يا روحي التي أشتاقك، لن تسرقني الأشغال أكثر بإذن الرحيم.

في وسط هذه الضغوطات والمشاعر، بلغتني مُعلم أول عن الشكوى الجديدة من أولياء الأمور، استشاطت نفسي غضبا ولم تهدأ إلى الآن.

حاولتُ تفريغ بعضها في حالة الواتس، لم أعد أفهم الشغف الكبير الذي يعتري بعض البشر للانتقاد في كُل شيء، نحنُ لا نريد منهم جزءا ولا شكورا ونعذر غفلتهم عن آلامنا المستمرة، كُل ما في الأمر نُريد أن يُكفّ الشر عنّا. ويا للأسف عندما أخبرنني معلمات كثيرات بعد وضعي للحالة إنهن يتعرضن لهذا أيضا في مدارسهن..

خيالي يأخذني إلى جلسة نسائية "يسولفن" وليس هناك ما يشغلهن فيقررن الخروج والركض إلى المدرسة للاعتراض على اللاشيء!

ثُمّ يعدن إلى بيوتهن وهن لا يدرين ماذا خلفنَ وراءهن.

أرأيتَ رجلا يعمل ليل نهار والناس من حوله يرمونه بالحجارة، هل تحسب روحه ستبقى وقّادة إلى الأبد؟

لله هذا الجهد، ولله هذا الغضب ولله بعثرة الشعور.

نسألُ اللهَ الصبر،وألّا يجعلنا صخرة في طريق أحد ليتعثر بها ويتألم.

والحمد لله على النفوس الطيبة المُقدّرة الباعثة للأمل، المنتبهة إلى وقع كلماتها فلا تختار إلا الزرع الطيب..

الحمد لله على نفوس الآباء والأمهات القوية الذين لا يألون جهدا وهم يرفعون من شأن هذا العلم.


٢٤/ شعبان/ ١٤٤٢

الثلاثاء، 6 أبريل 2021

عن قصة: خلف جدار الفقير

 اليوم السادس من #تحدي_الثلاثين 


                       عن قصة: خلف جدار الفقير


أُفكرُ في البارحة، في أمر القصة القصيرة واضطراري لجعل الشخصيات تُعاني لتصل رسالتها، وكم من امرئ تألم وتعب حتى يوصل فكرة تربو في نفوس المدكرين. 

لم تك كتابة القصة سهلة، ولم تنبع فكرتها في يوم واحد، كنتُ في كُل مرة أفتح التويتر وأرى أخبار المسرحين والمساجين والديون الفائضة والناس الذين يصرخون لإنقاذ مشاريعهم أشعرُ بشوكةٍ تطعن حلقي. غضبٌ حانق يهزّ أركاني وأعلمُ أنّ ذات الشعور يخالج نفوسكم وتشعرون تماما بالعجز مثلي.

كنتُ قد قررتُ أن أكتبَ قصة عن قضية التسريح منذ زمن، قبل أن أبدأ تحدي الثلاثين، لم أك أعرف الشخصيات ولا الأحداث.

نهضتُ فجرًا قبل يومين وأنا أكاد أنفجر من الأسى من القضايا المتكررة وعندها قلتُ: سأكتبُ اليوم.

رغم أعمالي الكثيرة،مسكتُ دفتري وقلمي وبدأت برسم الشخصيات، خالد وأحمد وحليمة ووالدتهما، ثمّ أمل ضحية الفقر، شعرتُ أنّي أعرفهم منذُ زمن طويل، ينتظرون منّي إيصال صوتهم، لم يك سهلا عليّ أنْ أرسم ذلك الألم في حياتهم، كنتُ أختنق مع كُلّ حرفٍ أكتبه، أشعرُ بالغصة تُمسك قلبي وسقطت دمعتي.

فكرتُ، يا إلهي! كيف استطاع الظالم فعلَ كُل هذا في واقع الناس؟ ألم توجعه الأنّات، ألم تطارده الدعوات؟..

لله تلكَ القلوب المكلومة التي تُعاني خلف الجدار ونحن المُنعَّمون لا نراهم، لا نتضور جوعا مثلهم، لا نحمل همّ الغد، نمرّ على أخبارهم مرور الكرام وكثيرٌ منهم لا يبثُّ أخباره، تحسبهم أغنياء من التعفف..

فيا عظيم يا سميع يا بصير يا رازق يا كريم يا من بيده كُل شيء، كُن لعبادك الضعفاء، آمنهم من خوف وأطعمهم من جوع وارزقهم من خيرك غير المنقطع، وسخّر لهم أهل الخير واكفهم بعمل يسدون به حاجتهم. 

يا ذا الجلال والإكرام، يا الله. 


٢٣/ شعبان/ ١٤٤٢


الاثنين، 5 أبريل 2021

خلف جدار الفقير٢

        اليوم الخامس من #تحدي_الثلاثين 


                    تتمة: خلف جدار الفقير٢


فاضت أنّات الثكلى حتى دخلت كُل بيت فأوجعته، أُصيبت أم خالد في ظهرها، في ابنها البكر الذي اشتدت به من وعورة الحياة، وأشادت به في محافل الكرماء، سلبوه منها في غمضة عين، ألقوه بين المجرمين وهو أنقى من صفحة الثلج في صباحات الشتاء، لم تجد ما يؤنس فجيعتها إلا نحيبًا امتزج مع نحيب طفلتها.

أمّا أحمد وحليمة لم يمهلا الدمع ليجف من محياهما بل طَفِقا ينسجان الخطط ليل نهار ليُنقذا أخيهما من غيابات الظلام ويردّان إليه روحه وروح أسرته.

بدأت مؤونة البيت تنفد إلا من بعض الأغراض التي يأتي بها المواسون، وفي ليلة دامسة استطاعا اقتلاع بسمة خفيفة من وجه والدتهما وهما يطلعاها على خطتهما الاقتصادية التي اتفقا عليها..

كانت بسمة الفخر بتجلدهما، لكن كانت وراءها لجج من الوجع انبثق من عين الحرمان الذي باتوا يتقلبون فيه، فها هما أحمد وحليمة يتنازلان عن مصدر رفاهيتهما، عن التلفاز الذي عزما على بيعه، عن سالي التي لم يهجرا مشاهدتها حتى في مرضهما.

لم يك الاستغناء عن التلفاز كُل شيء فقد تحسسا الرعب الشديد الذي يُصيب والدتهما من مضي الأيام واقتراب آخر الشهر، مِن أين للمعوز أن يدفع فواتير الكهرباء والماء؟

أصدر الصغيران قرارا بالاستغناء عن الكهرباء قدر المستطاع، ووضعا جدولا للاستحمام لأفراد الأسرة على أن يستعينا بماء الفلج في غالب أوقاتهم، ويكتفوا بوجبة واحدة في اليوم.

لم تشعرهما والدتهما بأنّ مصيبة جاثمة على صدرها لن تتسع لها خططهم، هذه الطفلة التي في حجرها التي بدت ذاوية جدا ببشرة صفراء من فرط الجوع؛ فحليب الأم جففه الحزن قبل أن يجففه قلة الأكل، ومِن أين لها أن توفر لها الحفاظ والحليب وهي التي قد تعبت من تقليب الوسائل في رأسها.

وقد كتمت في نفسها فكرة ألقتها عليها جارتها، فلم تتقبلها نشوة الكرامة التي تجري في دمها. 

-"الجمعيات الخيرية مضغوطة جدًا وللأسف معها حالات كثيرة لن تستطيع مساعدتكم قريبا، ولكن معي لكِ حل سيكتب الله به خلاصكم بكل تأكيد" 

رفعت أم خالد وجهها الشاحب كشحوب الصحراء التي هجرها المطر، ودعَت الجارة بنظرة - مزدحمة باحمرار العينين- لتكمل كلامها. 

-"سنلتقط مقطعا لحليمة وهي تشرح حالكم وتدعو أصحاب الخير لمد يد العون، والتبرع لإنقاذ خالد من السجن، على الأقل سيبحث عن وظيفة خفيفة يعينكم بها بدلا من هذه الحيرة التي تتلبسكِ في كُل مرة أردتِ فتح مشروع ولم تجدي رأس مال تشتدين به" 

جرّت أم خالد خيبتها وخرجت سريعا من بيت جارتها، لم تتخيل أبدا أن تستسلم لهذا، هي الشامخة ستبقى هكذا وإن أطاح بها الموت. 


لم تغب تلك المعاناة عن خالد، كان يتقلب في سعيرها كُل ثانية، ينخره القلق على أسرته، نسيَ الظلام ونسيَ القضبان ولم يتوجه فكره إلّا شطر معاناتهم.

كان قد طلبَ أن يُسمح له بامتلاك دفتر لعله يشارك الحروف بعض أتراحه، في بعض الليالي كانت دموعه تملأ صفحة الدفتر قبل أنْ يحركَ سكونَ قلمه، وفي إحدى الأيام، باغته شوقٌ عظيم إلى والده، انتقلت رعشته إلى قلمه فانسكب الحبر:

"أبي العزيز، لن أزعجك بطلب قدومك فإني أخشى عليك دواهي هذا الدهر، لا أحسبُك تقوى على رؤية ابنك مُضرّجا بآلامه، تلتقمه الكوابيس كُل ليلة، يتكوّر على نفسه مشتاقا إلى حضنِ والدته، إلى الاختباء في رحمها الدافئ. 

تكفي دماء ابنك التي تسيل مدرارا لتغطي ما بقي من بصيص روح تجري في هذه الأرض. أُصبحُ ويصبح الدمع طارقا باب عيني، وحُرقة القلب تجابه صيف الديار. إنني أرثي نفسي فقد صرعتني الوحدة، وسلبتني قوتي وألبستني الوهن، لا أدري كم ستمهل صمودي حتى يتزعزع ساقطا على عرش كبريائي ومُحطِّمه.

إنني أتوجع كثيرا يا أبي، هبني إصبعا منك واحدة أحملها سلاحا في وجه هذا العذاب.

مُشتاقٌ إليكَ جدًا يا أبي."

في ليلة الثاني عشر من فبراير، أفاقت أم خالد على أنّات مخنوقة تنفثها طفلتها أمل، انقبض فؤادها وجرت نحوها فإذا بها تغلي من الحُمى، حملتها وهي تتضرع إلى الله أن يحميها، كانت الساعة تُشير إلى العاشرة، الجيران أطفأوا مصابيحهم، أحسّت أم خالد بالورطة، كيف ستوصل ابنتها إلى المشفى، لبست عباءتها وخرجت دون تفكير من البيت، تخطت الشارع القريب من البيت ثمّ أوقفت سيارة مارة.

رجلٌ كريم رثَى حالها وأوصلها إلى المشفى، أربكه وضعها وترك بصمة ألم في قلبه..


طلعَ الصباحُ ولم يك خالد يكترث له لولا أنّ مشاعره تهجع قليلا، سمعَ باب الزنزانة يُفتح في وقتٍ غير معتاد.

نظرَ إليه الشرطي بابتسامة بهية:" الضابط يُناديك يا خالد"

تعاصفت الاستفهامات في رأسه، وأحسّ بوجل من الاجتماع الغريب، دخلَ المكتب ورأى الضابط ومعه رجل غريب.

حيّاه الضابط بتهلل:" البشرى يا خالد، هذا الرجل سدّد دينك كُله ويريد أن يُعيدك بنفسه إلى والدتك"

غمامة سوداء ثقيلة انقشعت في عينيّ خالد وهو ينظر إلى الرجل، سقطت دموعه مدرارا، تخيّل أحمد وحليمة وهما يجريان لاحتضانه، ووالدته، كم اشتاق إليها! 

وإلى أمل التي لم يرها بعد.

اقتربَ من الرجل واحتضنه بقوة، كأنه حبيب طال انتظاره، تخيله والدَه، وقد جاء ليُنقذه.

كان الصباحُ مُشعًا جدًا على عيني خالد التي اعتادت ظلام القضبان، حكَى له الرجل ما حدث أمس وأنّه أخذ والدته إلى المشفى ثمّ بحثَ عن حالهم، حمدَ الله أنْ عرّفه عليهم.. 


كان خالد يحتضن سكك القرية بنظراته العميقة، يتنفس هواءها بعُمق، يشعرُ بالتنمل عندما يتخيل لقاءه بأهل بيته. حتى وصلا عند باب البيت، كان المكان مُزدحما جدا، تجمدت روح خالد، دخل البيت، ووقع بصره على والدته وهي تنتحب:

"ماتت أمل، مات الأمل يا خالد،

مات الأمل.. " 


#تمت


ميعاد الحارثية 

٢٢/ شعبان/ ١٤٤٢


الأحد، 4 أبريل 2021

خلف جدار الفقير١

  

#تحدي_الثلاثين
اليوم الرابع                                            
             خلف جدار الفقير1

كانت الساعة قد حانت، أسرعَ خالد بإدخال السيارة وهو يبصر والدته الرؤوم تتعرّق رغم الرياح الباردة التي تهبّ على القرية الساكنة، أمسك بيدها ليساعدها على الركوب وهو يطمئن أخويه بابتسامة مُغتصبة:"لا تقلقا، سيزيد فريق الشغب في البيت بقدوم أخيكم بإذن الله، دعواتكم ألّا يتغلى علينا ويتأخر بالخروج".

لم يُطل خالد الغياب في المشفى بعدما رفضوا بقاءه هناك من الطاقم، وإصرار والدته عليه للعودة إلى أخويه لأنّ الوقت تأخر وحتما سيكونا خائفَين.
كانت الهالات تُطوّق عيني خالد وهو يشعرُ أنّه يحمل ثقل الأرض في صدره، بصخبها وفوضاها وفسادها، لا تنفكّ تدور بداخله مُحدثة له زوبعة من القلق الطويل، أدمنت روحه غصص الهم المكتنز وما فتئ يُلسع بنيران الظلم وهو يتذكر ورقة التسريح التي أُلقت عليه كنقبلة أضنت مضجعه، لم يتجرأ أبدا على إخبار والدته بالأمر، بقي وحده يدور في حلقة مفرغة يبحث عن حل...
طوَى حبل أفكاره وهو يصل أمام باب البيت، شفط الهواء في صدره وكأنه يريد أن يستولي عليه، أن يتأكد أنّ الهواء لن يُسلب منه كما سُلبت وظيفته وقوّته..
دخلَ البيت بهدوء، كانت الساعة تُشير إلى التاسعة مساء، مسحَ على قلبه منظرُ أخويه وهما نائمين في الصالة، ويدُ بسام تُمسك يد حليمة، كم هي الأيام سريعة!
يتذكرهما يصعدان على كتفيه ليجري بهما جنب الساقية وهما يترجيانه ليسمح لهما بالغطس في الماء.
في هذه السنة سيبلغ أحمد الثالثة عشر من عمره وحليمة التاسعة من عمرها، لا خوف عليهما وأيديهما فوق بعضهما دائما.
تلاشت ابتسامته وسرحانه، تدّفق الدم سريعا في أجزائه، وهو يسمع طرقا قويا على الباب، استيقظ أخواه مرعوبين من شدة الطرق، شعرَ خالد بأنّه متيبس في مكانه، أصبح جمادا مثل العمود الذي يقابله، كان خائفا، خائفا جدًا، تمنّى أن يعود طفلا ويصرخ بملء فيه:"أنا خائف".

جرّته أقدامه وعيون أخويه الشاخصة نحو الباب، لا يدري كم تبتُّلٍ جرى على لسانه في ثوانٍ قليلة، فتحَ الباب وقد تحقق خوفه ووقعت الواقعة، الشرطة تقف عند الباب، يدا أخويه تمسكانه بشدّة والاستفهامات تكاد تلتهمهما، أحسّ بخواء شديد، كاد أن يتلاشى لولا شعوره بالقبضة القوية الحانية من جانبيه، نظرةُ أخته التائهة أصابته في مقتل، شعرَ بهما يكبران عشرين سنة في لحظة وهما يصرخان في وجه الشرطي المجفل قلبه، تجاوزا أعظم الجيوش قوة وهما يجذبانه بكل طاقتهما، يُقاتلان الجنود بأيديهما الصغيرة، وتوسلاتهما التي جعلت الجيران يخرجون..

بدا له أنّه يحلم، أراد أن يرفع يده ليقرص خده لعله يفيق، ارتبكت الأصوات في مسمعه ثم اختفت وبقي صدى صوت حليمة وهي ترمي بالحجارة على الشرطي وقد انقلب لونها أسود باهتا:"اتركوا أخي، لا تأخذوه، لا تتركنا يا خالد كما تركنا والدي، ارجع يا خالد، سيأتينا أخ صغير، أنتَ تُحب الصغار..."

أمسكَ رأسه بكلتا يديه، كان يشعر بروح أخته المُعذّبة تتلبسه، أراد أن يصرخ، أن يهتف بالقوم حوله:"أنا لستُ مجرما، بل مَن حرمني العمل هو المجرم" ولكنّ حلقه كان جافا، الأنّة تجرحه، رأى شاشة هاتفه تومض، كانت رسالة من والدته:
" بفضل الله رُزقنا مولودة، سنسميها أمل" 
ردّد الاسم طويلا:" أمل.. أمل.. وُلِدَ الأمل في يوم موتي، أي أمل يا أمي وهذه الدنيا ظلام في ظلام مستمر"
أراد أن يُمسك الهاتف ويسمع صوت والدته لكنّ الشرطي سبقه وسلبَه منه، كان قد وصل إلى المركز، إلى مردم المجرمين، وهاهو أصبح فردا منهم بسبب دَين أراد به أن يُطعم أسرته. 

كان كالمحمول في جنازة، مستسلم، لا يُقاوم، صامت لا يتكلم، يشعرُ بالبلل يجتاح جسده، ثيابه رطبة جدًا، وفي قلبه صقيع جمّد شعوره، تمعن في القضبان قبل أن يلجها، كان يبصرها وحوشا شريرة تقهقه عاليا، تُريد أن تلتهمه، شعرَ بها وهو يدخلها تخترق قلبه، جرح عظيم نزف في قلبه، تحسس الجدران اللزجة، تكوّر على نفسه في إحدى الزوايا،استولى عليه خيال والدته والخبر يصعقها بقسوة، كانت الأبصار المُركزة عليه تثقبه، تُعريه من قوته، فإذا به يصرفها بنحيبه الذي لا يدري كم استمرّ حتى نام.. 
#يُتبع

ميعاد الحارثية
٢١/ شعبان/١٤٤٢
٤/٤/


السبت، 3 أبريل 2021

شطرُ الكتابة٣: صناعة الإلهام٢

 اليوم الثالث:


شطرُ الكتابة٣: صناعة الإلهام٢


هذه المرة جعلتُ البعوض يقوم بعمله وأنا أراقبه،

قاومت كُل شعور بالحكة وتركته يطير مُعتدا بنفسه. كنتُ أرى فيه ذاك الإنسان الذي يخدرنا عن  كشف حقيقته بتزلفه وتملقه حتى إذا غرس طعنته وانتصر بدمنا ولّى هاربا إلى غيرنا.


نصٌّ قديم كتبته، في أيام أتذكرُ أنّي أُصبتُ فيها بمتلازمة الخيال، أصبحت الأشياء من حولي تُلقي إليّ المعاني الفريدة، تربطُ لي بإتقان حقيقة الواقع مع وهم الخيال.

كانت أياما ذهبية، كتبتُ فيها نصوصا مختلفة وخاصة في القصة القصيرة جدًّا، توثقت فيها علاقتي بسرّ صناعة الإلهام:

            "اقرأ، تأمّل ثم ركز"

القراءة تُعطيك دروسا تجريبية مجانية، تُسافرُ بك في أعماق الفنّ الذي تودّ الكتابة فيه، كيف بدأ الكاتب وكيف ربط أحداث الحبكة وكيف أشعلها وكيف تدرّج للخاتمة...

كُل هذه الأسئلة ستجعل عدوى الكتابة تنتقل إليك، لن تكتب أبدا إن لم تك نهما بالكتب.

ولكَ هدية عظيمة من التمعن في أسلوب الآيات القرآنية وألفاظها ومعانيها والإبحار في بلاغتها، كيف لا وهو أعظم كتاب تحدّى الله به جهابذة اللغة منذ الجاهلية، فلا تحرم نفسك من معينه غير المنقطع.


وأنتَ ترتع بين الكتب، لا تنس أن تنظر إلى الفضاء حولك، ستجد أدوات الكتابة قابعة حولك تنتظر الإشارة منك لتتحول إلى تحفة فنيّة من الكلمات البهية.

تأمّل، لا تتنازل عن صورة تمرّ حولك إلا وصنعتَ لها برواز المعنى الباهر، ألهِم نفسك، لا تنظر باعتيادية، هناك سرّ في كل شيء عليك إنقاذه، انظر إلى البعوضة بماذا ذكرتنا. 


وأخيرًا ركّز، اشحذ كُل عدّتك وقابل ورقتك بشجاعة، لا تشتت نفسك وأنت تريد أن تكتب، كُن شجرة لا تتحرك من مكانها ولكنها تُثمر بفاكهة نضرة طيبة. 

التركيز يُعطيك فرصة الغرق، الغياب عن الوعي، يُحرّض الحروف على الاقتراب، يجعل حبل أفكارك متينا ويجعلك تستمتع! 


وقبل هذا وذاك حدد غرضك من الكتابة. 


اكتب يا رفيقي ولا تخف، اكتبي يا ميعاد! 


#رسالة_منّي_إليّ

٢٠/ شعبان/ ١٤٤٢

٣/ إبريل/ ٢٠٢١


الجمعة، 2 أبريل 2021

شطرُ الكتابة٢: صناعة الإلهام

     اليوم الثاني:      

         شطرُ الكتابة: صناعة الإلهام


تنهيدةٌ عميقة تتبع اليوم الأول من التحدي، ءانستُ جذوة الحماس في نصّ أروى واصطليتُ بها من جمود الشعور.

أتعرفُ يا رفيقي تلكَ الخفة التي تجتاحك فتُصيرك سحابًا متآلفا رطبا، تسيلُ بالغبطة والحبور وتنحت الابتسامة في محياك فلا تنفك عنك؟

شعرتُ بهذا وأنا أُبصر مَن يفهمني، مَن تعتريه رجفةُ المُحب وهو يلهثُ طويلا  باحثا عن نصّ يُعيد له اتزان ذائقته ويتدارك ظمأه ليسيقه شرابا طهورا من  الأدب العظيم.

مَن يقول:" أنا مُتعبٌ، أحتاجُ إلى حرفٍ يُعيد إليّ روحي". 

ولقد منّ الله عليّ بأنّي  وصديقي الذي ارتبطتُ به نُقدّس معاني الحروف، نُعطي الكلمات حقها عندما تتنزّل، دون أيّ إرباك، ونعي جيدًا قول أحدنا للآخر:"أُريدُ أن أكتب"، فنعطيه مساحته الخاصة. 


في إحدى الصباحات، ألهمني اللهُ لأفتح إحدى المحاضرات الموجودة في قناة مكتبة تكوين على اليوتيوب، أنّا البصرية التي لا تُطيق مشاهدة مقاطع الفيديو عكفتُ ذاك اليوم على ذلك اللقاء، الذي كان بداية لوعيّ جديد في عالم الكتابة، ولاكتشاف سر ضمور الكُتّاب في مهدهم، وهو قضية الإلهام. 

يترقبُ الكثير منّا الإلهام، يجعله سلطانا عليه لا يتحرك دونه، ويضيعُ إن جفاه. 

وهو - كما يزعم الكثيرون- يعدّه شيطانا يزوره فيسكب عليه تراتيله فيكتبها، أو فلتقل ملكا فالأمر سيان. 

لا أنكرُ تلك اللحظة التي يغرق فيها الكاتب، يغيب عن الوعي ثمّ عندما يفيق يجدّ حروفا تخصه، فيسأل نفسه:"أنّى لكَ هذا؟" 

لكن تخيل -يا رفيقي- أنّك أنتَ السُلطان، تتربعُ عرشَ اللغة و تأمر الإلهام فيأتيك مطواعا، يكون قرينك في كُل سفر روحي مع اللغة، فأيّ مُلك أعظم من هذا الملك؟! 

إنني أُبصرك متشوقا،تنادي بملء فيك، وكيف لي ذاك وأنا الفقير الذي أدمنت حبسة الكاتب؟ 

فدونك سرّ الصنعة ممّن هو أحوجُ إليه منك، ولكنّه يحاول الوصول. 

                         "اقرأ وتأمل ثم ركز" 


ومن أجل ألّا أطيل عليك، ترقّب لطيف حوارنا غدًا بإذن الكريم، وإنّ غدا لناظره قريب. 


#تحدي_الثلاثين 

٩ شعبان ١٤٤٢

٢/ ٤ / ٢٠٢١



الخميس، 1 أبريل 2021

شطرُ الكتابة: سرّ التحدي١

 ١


شطرُ الكتابة: سرُّ التحدي


بسم الله ربّ الشغف..

تتسارعُ النبضات وينتفضُ الشعور ليعيدني إلى زمنٍ بعيد جدًا، إلى تلك الروح الصغيرة التي تترقب اليوم الأول في المدرسة، تشعرُ بوخزات من القلق يعتري حماسها الدّفاق، تكاد تُسبق القدر بخيالها الذي يجيد رسم الأحداث والشخصيات، هل يا ترى ستجدُ صديقها الذي طالما ضمته إلى ألعابها وحكاياتها قبل أن تعرفه؟

في فجرِ هذا اليوم، تلبسني ذاك الشعور، تدافعت الأفكار مزدحمة في رأسي، تتسابقُ لتُبصر نفسها في هيئة عروس زاهية يُعجبُ بها الناظرون.

إنّني أشعرُ بالصخب الكبير الذي تفتعله الحروف بداخلي، إنها تشحذُ الهمم وتعدُّ العدّة للانتصار في التحدي، التحدي في الكتابة الذي هربتُ عنه طويلا!

اعتدتُ أنْ أقع في شباك العناوين العريضة التي تتحدثُ عن الكتابة، تُغويني لأمتلكها مهما كانت ظروف المحفظة، وتجبرني على الخضوع بين حروفها مهما تضرعت الأشغال المتكدسة التي تنتظرني.

كنتُ أتعذبُ وأنا أقرأ هذه الكتب، لأنّك قلما ترى كاتبا متمكنا لا يدعوك إلى النصيحة الذهبية: "اقرأ كثيرًا واكتب كُل يوم."

هربتُ كثيرًا من الحقيقة، وهجرتُ حروفي طويلا وتلعثمتُ بأعذارٍ واهية لاُقنع ضميري الذي لا يقتنع، كنتُ أُداري الرغبةَ للكتابة في مهدها، أُخدرُها قبل أن تفيق وتحنُّ في رأسي وتُربك أيامي، كنتُ أخاف كثيرًا من الانجرار خلفها واتخاذ قرار الكتابة! 

نعم، أنا السّجان الذي يحبس حروفه خوفًا من ضعفها و تهالكها، خوفا عليها من نظرات الهوان في أعين القراء. 

واليوم قررتُ أن أُحطم الأسوار وأخوضُ مع حروفي تحدي الشجعان، الذين يثقون بأنفسهم ويكتبون لأرواحهم. 

مِن حقّ هذه الروح أن تُسقى من نشوة الإنجاز، تلكَ النشوة التي يعرفها جيدًا مَن نظرَ بعين الفخرِ لوليده الزاهي، للنّص الذي تزيّن بُحلل اللغة اللامعة، إنّه تالله لشعور جذّاب! 

أنا أعلمُ أنّ الكتابة خُلقتّ فيّ، هي جزء من تكويني، ولهذا قبلتُ التحدي. 


بين طوفان ونفق

         بين طوفان ونفق يسيل طوفان من الدمع من أعيني الخائفة المترقبة وأنا لا أكاد  أغفو متمتمة بدعاء الاستوداع لأهل غزة، حتى يبدأ الرعب يطا...