الأربعاء، 5 أغسطس 2020

فلسفة حزن مجهول



أيها الصديق
إنّ للحزن عباءة سحرية يندس تحتها ليتسلل خفية إلى القلوب المهجورة، إنّه يُحب البقعة الرمادية التي تتسع بداخلك كاتساع بقعة الحبر الذي ألقيته بإهمال ولم تزره وقتا طويلا.
قد تتخيل يا صديقي أنّ للحزن أنيابا، وبشاعة ترتجف منها تمتمات الفرح فتهربُ بجلدها لتذرك وحيدا في أرض المواجهة..

لكنني أراه - يا صاحبي- غير هذا ، أُبصر في الحزن طفلا تائها، تتقاذفه أمواج الغربة.. 
زارني يوما وفي عينيه ذبولُ المتسكعين في شارع الضياع، يتلفت خجلا بحثا عن سبب لوجوده بجانبي.. مثلَ خجلك يا صديقي عندما أخطأت في صف الجغرافيا وأرعبك وجودُ خريطة مجهولة، خفتَ من أن تُسلب من وطنك..

في إحدى الصباحات نهضت وقد تلبسني مَسٌ من الحُزن المجهول، اختنقت أصوات العصافير، وتنقب وجه الصباح..
حسبتُ  بادئ الأمر أنّ الكلمات كانت تمزح معي باختفائها المفاجئ، كنتُ أفتح الأبواب بحثا عنها، الباب تلو الباب ولكن كان الفراغ هو الوحيدَ الذي يقابلني، كان كبيرا جدا ليمتص كُل الكلمات ويلقيَها في غياهب الصمت المنبوذ..
كنتُ ألقى نظرات العتاب بعين باردة وقلب جامد، وقد تملكني الحذر من الاقتراب من أي شيء، فاستجابت الأشياء مبتعدة بأقدام الريبة واللوم.
وحدي كنتُ أشعر بالقيود التي تغتال حركتي، وترسم أفكارا تطن في عقلي كطنين الذباب..
أردتُ المقاومة، فكرتُ في أماكن كثيرة أذهب إليها، ماذا لو كان البحر قريبا منا؟ ألم يعتد أن يُلقى بحجارة الهموم فيبتلعها ويُهديَنا الزرقة؟ وحده البحر لا يكترث للكلمات، يرضيه صمتك وحديثك، لا يشترط أمرا لاحتوائك. 
ماذا لو نبتت بجانبنا حديقة من الورد؟ كنتُ سأتنفس شذاها غير آبهة بالأسئلة الممنوعة التي تراودني، إنّ شذا الزهور كجهاز أكسجين يُعيد للحياة توازنها..
ماذا لو هربت الكُتب من مكتبتي والتفّت حولي تُنشد أهازيج الخلاص؟ 
ماذا لو فهم الإنسانُ الإنسانَ؟ 
... 
ميعاد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بين طوفان ونفق

         بين طوفان ونفق يسيل طوفان من الدمع من أعيني الخائفة المترقبة وأنا لا أكاد  أغفو متمتمة بدعاء الاستوداع لأهل غزة، حتى يبدأ الرعب يطا...