الخميس، 27 أغسطس 2020

*بين الحرية والنهي عن المنكر*

 *بين الحرية والنهي عن المنكر*


تتجاذب المعاني الحقوق ولكلّ معنى جيش يحارب عنه، وقد طالت حربٌ بين فئتين حتى كاد يكون السلم شاذا بينهما.

ومما يوجع الفؤاد أنّ هذه الحرب قائمة بين مسلمين عابدين لرب واحد ومتبعين لشرع واحد.

كان الحبلُ متينا بين الحرية والنهي عن المنكر، ولكن كثرة النزاع أرهقته حتى كاد يكون أهون من الشعرة عند بعضهم.

وهنا سنعيد لكُل مفهوم حقوقه البيّنة..

تُلزمنا الحرية ألّا نتدخل في شؤون الآخرين، وهذا الأمر من صلب الدين، وثقافة كادت تندثر عن كثير من الناس. ولكن أي حرية هذه؟ الحرية التي لا تضر أحدا وليس بها منكر، فأنتَ لا دخل لك بمهنة الشخص، بعدد أولاده، بشكل بيته، بطوله، ودراسته، بأكله وشربه ما دام حلالا؛ فقف ولا تتعد خصوصيات الآخرين بأسئلتك واستفهاماتك وتوجيهاتك.

متى نتدخل؟ عندما نرى مُنكرا فنستجيب لأمر الله ورسوله بمحاولة تغييره، وهنا تبيان لكُل الدعاوي التي تحاول أن تزعزع أركان إنكار المنكر في حياتنا والتي ستلاقيها عندما تصدع بالحق.

⚡*الشخص حُر، لا دخل لك بحياته، اهتم بنفسك*

يجب أنْ نعي أنّ الإسلام جاء بروح الجماعة القوية المتماسكة، وهذه الجماعة لا تريد أنْ تترك فردا منها يحيد عن طريق السلامة، ولهذا جاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الله تعالى يأمرنا بالتناصح والتوجيه، ثم نقول هذه حرية الشخص؟ 

كما أنّه لا معنى لقول "دعوا الخلق للخالق"، لأن الخالق هو الذي أمرنا بإنكار المنكر. 

﴿وَلتَكُن مِنكُم أُمَّةٌ يَدعونَ إِلَى الخَيرِ وَيَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ﴾

﴿يُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَيَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُسارِعونَ فِي الخَيراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصّالِحينَ﴾

بماذا يُفسر الآيات الذين يُنكرون على الناس النصيحة؟

وكيف يصف القرآن الذين ينصرفون عن النصيحة ويخلطون الحق بالباطل؟ 

﴿كانوا لا يَتَناهَونَ عَن مُنكَرٍ فَعَلوهُ لَبِئسَ ما كانوا يَفعَلونَ﴾


﴿المُنافِقونَ وَالمُنافِقاتُ بَعضُهُم مِن بَعضٍ يَأمُرونَ بِالمُنكَرِ وَيَنهَونَ عَنِ المَعروفِ وَيَقبِضونَ أَيدِيَهُم نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُم إِنَّ المُنافِقينَ هُمُ الفاسِقونَ﴾

إذن هذه الآيات تخبرنا أنّ النصيحة وإنكار المنكر واجب على الأمة؛ فاصدح بالحق مهما تلقيت من اللوم.


⚡*يُمكن أن يكون صاحب هذا الفعل أفضل من غيره، وقد يكون قلبه طاهر، وأنتم تتهمونه*

التركيز في النقاش منجاة، فإن نصحَ الناصحُ بترك التدخين مثلا، قيل له ربما هذا الشخص يصلي ويتصدق وطيب.

هل الناصح قال عكس هذا؟ هو ركّز على نقطة فلا نقتحم أسوار كلامه ونعمم قوله على كُل شيء. 

والأمر المهم في هذه الدعوى قوله تعالى:"أَفَتُؤمِنونَ بِبَعضِ الكِتابِ وَتَكفُرونَ بِبَعضٍ فَما جَزاءُ مَن يَفعَلُ ذلِكَ مِنكُم إِلّا خِزيٌ فِي الحَياةِ الدُّنيا وَيَومَ القِيامَةِ يُرَدّونَ إِلى أَشَدِّ العَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعمَلونَ﴾

شرع الله شامل لكُلّ حياة الإنسان، وليس للإنسان أن يختار ترك شيء وفعل شيء، لأن هذا عين اتباع الهوى ولا يُغني عنه شيئا، فمَن فعل الكبائر وأصرّ على الصغائر لن ينفعه شيء، وإن مشى الناس بعقيدة الشمولية والتكامل في ترك كل السيئات لتطهرت الأرض. ونحن نقول هذا الكلام إجمالا ولا نحكم على الأشخاص لأن الحكم بيد الله، وما علينا إلا البلاغ المبين. 

⚡* هذا الشخص أفضل منك، وانظر لعيوبك*

يجسّد بعضهم مقولة:" خير وسيلة للدفاع الهجوم".. 

عندما يُنكر الإنسان المنكر فلا يعني بهذا أنه أفضل من غيره أو أنه خال من الأخطاء، فلا دخل للأمرين ببعضهما؛ ولا معنى لقولك:"اهتم بنفسك"، لأن هذا موضع نصيحة معينة وليس موضع سرد الاهتمام بالنفس. 

⚡*هناك ناس ملتزمة في الشكل لكن تجدها أسوأ الخلق*

الهرب من أخطائنا باتهام الآخرين لن ينفعنا، هذه المقولة قد تكون حقيقية، وأنت إن رأيت مُنكرا واضحا من هذا الشخص انصحه ووجهه حتى وإن كان ملتزما بالمظهر. 

ولكن نحن نأخذ بظاهر الأمور، فليس من حقنا اتهام الآخرين بالتوقع، بل ننصح على المنكر الذي نراه أمامنا فقط. 


وعلى الناصحين أنْ يُحسنوا النُصح، ولا يستخدموا أساليب التهكم والسخرية، وليقولوا التي هي أحسن، ولا يلتفتوا لأي صراخ يقف في وجه كلماتهم ما داموا أخلصوا وأحسنوا. 



ميعاد الحارثية 

هناك تعليقان (2):

  1. مقال رائع في هذا الزمن
    لأنه صارت النصيحه شي مكروه و مستنكر و الناصح يسمى مستشرف

    ردحذف
  2. وفقك الله تعالى، وجزاك سبحانه خيرا.

    ردحذف

بين طوفان ونفق

         بين طوفان ونفق يسيل طوفان من الدمع من أعيني الخائفة المترقبة وأنا لا أكاد  أغفو متمتمة بدعاء الاستوداع لأهل غزة، حتى يبدأ الرعب يطا...