الجمعة، 29 أكتوبر 2021

أيامي..

 قبل شهر تقريبا وفي لُجة الاشتغال الشديد الذي أصبح عنوانا لأيامي حضرتُ لقاء لعبدالله بن عمر يذكر فيه عن ٧ أخطاء قاتلة يقع فيها الكتّاب، ومنها الخوف.

الخطأ الذي نهرب منه بالتجاهل والتوقف التام عن الكتابة بحجة تخمة دقائقنا بالأعمال التي لا تنتهي. نهرب وتلح علينا الكتابة إلحاح الطفل العنيد لنيل بغيته، وقلب الأم يعتصر ألما مهما حاولت ألا تلتفت.

هأنا ذا أكتب بعد تحد استمر ثلاثين يومًا أردتُ به نقب جدار الخوف وترطيب أيام الجري بحروف ندية، ولكن كل هذا لم يحدث، توقفتُ عن الكتابة ضريبة توقفي عن قراءة الأدب، رغما عني.

سلكتُ طريقًا جديدًا أشعر به يلتهم كل طاقتي، ويجبرني في أحايين كثيرة على الانهيار، ولكنه الطريق الذي أُحب وأهوى.

كتبتُ منذ سنوات في مساحة التعريف في تويتر:"امتزجت الشريعة بالأدب والكيمياء"، لم يك أبدًا مجرد تعريف عابر بل هو الدماء التي تجري في جسدي والشغف الذي أبى الخمود.

هأنا أدرس الشريعة!

نكاد نصل إلى منتصف الفصل الدراسي الأول وعقلي يأبى الاستيعاب، أنا حقا هناك، طالبة في كلية العلوم الشرعية أتنقل بين القاعات والمكتبة وأجلس في العشب الأخضر وأتأمل القمر مزهوا في سماء الكلية.

أخرجُ كل فجر إلى المدرسة، وأعلق في زحمة المعبيلة، قبل أشهر لم أك أتخيل قيادتي في مسقط واليوم أنا أخوض الصراعات مع السيارات لأجل دخول الحارة التي تتحرك أسرع في الشارع!

سورة البقرة تصاحبني دائما، المقرر الواجب علينا حفظه في الكلية والذي لولا الزحمة الشديدة في الشارع لم أجد وقتا لمراجعته.

أصل إلى المدرسة متأخرة في العادة بضع دقائق ليشرع دمي بالغليان من أول لحظة، أنظر إلى جدولي الذي يرهقني، الحصة الأولى كل يوم والأنصبة المرتفعة التي تصيبنا في مقتل.

ألملم الأوراق بسرعة وأنسخ ما أحتاجه لحصتي الأولى وأقلب الكتاب لأتأكد من درس اليوم وأجري إلى الصف، إلى طلابي، ومواساتي.

في الصف يجب أن أُلقي كُل شيء ورائي، أنسى كل فصول حياتي وأحيا اللحظة.

طلاب الصف الرابع الذين اخترت تدريسهم لعلهم يكونون أكثر التزاما من غيرهم من الطلاب الصغار، أُصبح يوما صديقتهم وفي يوم آخر قد أفقد أعصابي عليهم فيُهدوني بعفويتهم ابتسامة لا سبيل لها إلا البزوغ.

مرةً في خضم حصة الرياضيات واندماجنا الشديد يصرخ طالب-شيمته الهدوء- من الخلف:"أنا عندما أكبر سأصبح معلم رياضيات. لازم!".

سكتُّ رغما عني وقلتُ له:"ستصبح أفضل معلم رياضيات بإذن الله".

لا يعلم طلابي أنّي درستُ لألتقي بحب حياتي "المختبر" ولأعمل في الكيمياء وأمتزج بها فشاءت الأقدار إلا أن أتجه إلى تدريس الرياضيات.

"أستاذة، أجمل حصة حصة الرياضيات، أنا أحب الرياضيات كثيرًا"

تتعجب من ليونة لسان الأطفال، تتدفق الكلمات من قلوبهم دون تردد لينيروا بها أفئدتنا.

ملأتُ ملاحظات هاتفي بأفكار كثيرة أريد تطبيقها ولكن الوضع خانق جدًا في المدارس، عانيت في بداءة تطبيق زيادة أنصبة الحصص ألمًا شديدا في ظهري، أصبح كل شيء صعبا، الوقوف والجلوس والمشي.

أصل إلى الحصة الأخيرة في جدولي وأنا ألتقط أنفاسي بصعوبة وأشعر بالعجز من إعطاء المزيد، أشعرُ بالذنب ولكنّي أعلم أنّ ما يحدث فوق طاقتنا وهناك مَن يحسبنا آلة يرمي علينا كل يوم المزيد من العمل ويريد أن يرى النتائج المبهرة!

يحزّ في خاطري وجود طلاب في صفي لا يجيدون قراءة وكتابة أبسط الأرقام والأعداد، وأريد أن أحميهم بالعلم ولكن أين الثغرة في الوقت التي ستنجدني أنا قبلهم؟

أحلم بأشياء كثيرة عسى أن تخفف الأيام وطأتها الثقيلة عليّ وأحققها. 

يبدو أنّ هذه المذكرات طالت قبل أن أخبركم عن الكلية وأجوائها. 

#يُتبع... ربما

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بين طوفان ونفق

         بين طوفان ونفق يسيل طوفان من الدمع من أعيني الخائفة المترقبة وأنا لا أكاد  أغفو متمتمة بدعاء الاستوداع لأهل غزة، حتى يبدأ الرعب يطا...