الجمعة، 1 أبريل 2022

مرضٌ عضال، كيف تتجنبه؟

 مرضٌ عضال، كيف تتجنبه؟ 


تُعيدني الذاكرة إلى أيام بعيدة يومَ أن كُنّا طالبات في المدرسة، وكأنّي جالسة على ضفة شاهقة أتأمل علاقاتنا الاجتماعية مع بعضنا أيام الإعدادية، وكيف أنّ بعض المواقف تنحفر في الذاكرة ولا تزول.

كانت شخصيتي المعتادة ظاهرة، الفتاة التي لا تُحب الجموع وصداقاتها خاصة ولا تعلم كيف تتواصل مع غيرهن إلا لأجل الدراسة والشرح. كنتُ مملوءة "بشلة" من الفتيات أندمج معهن ولا أذهب مع غيرهن ولا ألتفت لمَ يقال عن هذه المتفوقة المتكبرة التي لا تمشي مع أي فتاة.

جاءتني يوما طالبة متفوقة ولم تك من الشلة وعلاقتنا سطحية وأخبرتني أنها تودّ أن تكون صديقتي ولم أمانع. كنا أحيانا نمشي معا، فقالت لي يوما:" أنا أريد أن أكون صديقتك ولكني أتمنى أن تموتي"، ضحكت يومها وتعجبت، فعللت هذا بأنها لا تريد أن أسبقها بتفوقي. لم نستمر معا لأكثر من شهر كما أحسب، ولكن بقيت كلمتها تراودني وكنتُ في كل مرة أتذكرها  يعتريني الضحك من "سوالف الطفولة".

حتى كبرت وبدأت هذه الظواهر تظهر ثانية في حياتي، وفي هذه اللحظات كنت أعي جيدًا أنّ هذا مرض خطير يصاب به الناس يسمى:"الحسد".

دائما أتحدث عن أمراض القلوب ودقتها ووجوب الانتباه لها ولكنّي كنتُ أُلقي بالحسد جانبا؛ لم أك أتصور حدوث هذا حقيقة حتى شاهدت أناسا انتقلوا من كتمان حسدهم إلى إلقائه جهارا دون أي احتراز أو خجل.

لم تك أعينهم فقط هي التي تبين الغيظ في قلوبهم، بل كانت ألسنتهم تنطق بكلمات أُصاب بالدهشة حيالها، كيف يُمكن أن يُبدي إنسان هذا العيب بداخله للملأ ويفصح بالذي في نفسه عن الآخرين وهم لا ذنب لهم إلا أنّ الله فضلهم برزق عن غيرهم.

علمتُ حينها أنّ الحسد ليس "سوالف طفولة"، وإنما مرض خبيث يجب أن يبحث عنه كل منّا في حجرات قلبه وفي عثرات لسانه وفي بنات عقله حتى لا يتمادى فتنبعث آثاره في كلماته وصاحبه في غفلة يتمرغ في نار الغيظ ولا يدري بأنه مصاب به.

بعدما كسرتُ الكثير من الحواجز في تعاملي مع الناس، عدتُ بعد دهشتي من هذا الأمر إلى بناء حواجز جديدة، إلى الفتاة التي تجلس في حالها إلا من قلة تصاحبهم. 


-يا صاحبي- أنتَ عندما تؤمن حق الإيمان بأنّ الله هو الرزاق فلن تحدثك نفسك عن كيف تستولي على رزق غيرك، بل ستسعى؛ لأنك تعلم أنّ الله قادر على أن يرزقك مثلما رزَقه. وستعلم أنّ بمرضك هذا لن تصل إلى مكان حتى وإن تحوّل مرضك إلى أفعال وعقبات تحاول أن ترصها أمام مَن تحسده.

ليس لهذا الإنسان إلا قلبه، فإن لم يتعهده بالطهارة الدائمة والمراقبة فماذا بقي له للوصول إلى مرضاة الله؟


ميعاد الحارثية 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بين طوفان ونفق

         بين طوفان ونفق يسيل طوفان من الدمع من أعيني الخائفة المترقبة وأنا لا أكاد  أغفو متمتمة بدعاء الاستوداع لأهل غزة، حتى يبدأ الرعب يطا...