الجمعة، 23 أبريل 2021

هو ليس أنت

 ٢٣

                                    هو ليس أنتَ


يُحكى أنّ شابا كان يعيش وسط عائلة كبيرة ممتدة، تتطلعُ إليه دائما بعين لوّامة وبلسان نمّامة، شعر بأنّه منبوذ، تتقاذفه سيئات الظنون في كُل المحافل.

مَن يعمل معه يراه شابا طموحا هادئا رزينا خلوقا، ومَن يقترب من عالمه يغدق عليه بإحسانه وإخلاصه ووفائه.

....

لا تتعجبوا من أمر هذا الشاب فهو يكاد يوجد في كُل عائلة، ولا توجد به مُشكلة ولكن المجتمع هو رأس المشكلة.

يولدُ الناس بشخصيات مختلفة، بين هادئ صامت يميل إلى العزلة وفوضوي كثير الكلام يُدمن التجمعات وفي كل يوم يقيم صداقة جديدة.

الخلل الذي نعاني منه في مجتمعاتنا هو أنّنا نُريد كُل الأشخاص مثلنا، نظلم الشخص الذي تقفُ التجمعاتُ مع الغرباء كغصةٍ في حلقه بوصفه متكبرا ومتباهيا.

قالت لي إحداهن يوما:"أشعرُ بالاكتئاب ما إنْ أسمع خبرَ تجمع كبير يحضره الغرباء وإنْ كان التجمع بعد شهر".

الذين لا يملكون هذه الشخصية يعدّون هذا مبالغة وتعنّتًا، ولا يدرون أنّ بعضهم عندما يُرغمون على تجمعٍ يعودون بدموعهم منه.

هناك أشخاص تعودت سماع الكلام عنهم من خلفهم أنّهم "بطرانين"، ويُتناقل هذا الكلام عنهم لأنّهم لا يعرفون كيف يندمجون مع الآخرين. كنتُ أُصدّق ذاك في صغري وعندما كبرت وفهمت معنى "تنوع الشخصيات"، عرفتُ أنهم ليسوا كذلك واللوم يُلقى على الوعي عند غيرهم.

الكثيرون يحاولون الضغط على أصحاب تلك الشخصيات، سواء باللوم أو بالمحاضرات أو بالزعل أو بالاستهزاء، وهم لا يدرون أنّهم بهذا يُبعدونهم أكثر وأكثر ويبنون جسورًا شامخة بينهم.

أمّا مَن يُشعرهم بالأمان، ويتفهم محاولاتهم للاندماج والوقت الذي يحتاجونه ولا يُمارس عليهم أي نوع من الضغوط سينجح في تخليصهم من عقدة الاقتراب إلى مجلسه متى رغبوا هم ذلك.

يجب أن نعي دائما قبل أن نحكم على أي إنسان أنّه مُختلف عنّا، وله شخصية مُستقلة، ورغبات مباينة، واهتمامات خاصة؛ فنعذر بعضنا ونتيح المساحة الواسعة جدًا لبعضنا ونترك الضغوطات الاجتماعية الخانقة فإنها وباء.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بين طوفان ونفق

         بين طوفان ونفق يسيل طوفان من الدمع من أعيني الخائفة المترقبة وأنا لا أكاد  أغفو متمتمة بدعاء الاستوداع لأهل غزة، حتى يبدأ الرعب يطا...