الاثنين، 26 أبريل 2021

لسانك حصانك

 ٢٦

                                لسانك حصانك


"لسانك حصانك، إن صنته صانك"

يأخذني التأمل بعيدًا وأنا أُنقّب بين حروف هذا المثل، ربما يستخدمه الكثيرون في المواقف الحرجة التي تكاد "زلة لسان" فيها، أن تودي بصاحبها.

اللسان،العضلة التي لا تحدّها عظام ولا يرهقها جهد، هي حصنك الحصين الذي إن أحسنتَ حراسته، وقاك من حروب الناس وتقاتلِهم.

وقد تكون هي حصانك السريع الذي يجري بك في كُل ميدان، فإنْ لم تروضه وتشد زمامه، ألقاك مضرّجا بآفاتك في الثرى.

وقلّ مَن يُجيد ترويض حصانه في أيامنا هذه، ويحفظ كرامته من الولوج إلى كُل شُرفة يجتمع فيها أناس في شؤون تخصصهم وعلمهم.

أصبح الكثيرون مرضى بالجدال و المراء، يشعرون بحكة في عقولهم إن لم يبدوا رأيا هنا وهناك وفي كُل محفل، ولَسوء سقطاتهم التي جرّهم إليها تهورهم وغرورهم وفضولهم.

الأدهى من ذلك، أن يمشي الإنسان في يومه وهو يحمل قذى في لسانه يُلقيه أينما حل، يبصقُ في وجوه العالمين بكلماته النابية.

تراه مُتزيّنا، متحلّيًا بأفخم الثياب، ومتعطرا بأزكى الروائح، ويمشي كأنه مَلكَ الدُنيا، وعندما يتحدث لا يكاد ينطق كلمتين إلا خالطهما بسباب من فحش القول، ويكون مفتخرا بهذا ومزهوا بتطوره ومستبشرا برفعته.

يا للمسكين، لا يدري أنّه مزج زينته في وحل، وعكّر مظهره بعفن.

ومن عجائب الدهر أنّ الناس يُقذَفون بالكلام اللاذع ويضحكون، كأنّك ملأت قلب أحدهم بكلمات الحُب والهيام وهو يسمعُ زميله يُلقبه بشيء من ألقاب الحيوانات.

ومنهم مَن يمشي بين الناس بسيرة حسنة، فإذا ما تحدثوا عنه قالوا:"رجل صالح لكنّ لسانه متبرئة منه"، فكان كمَن يملأ روحه نورًا ثمّ يُغلّف عليه بالسواد، فلا هو سما به ولا نفع به غيره.

والآن في زمن التعليم عن بُعد، انكشفت سوءة الألسنة داخل البيوت، عندما ينسى أحدهم مُكبّر الصوت مفتوحا فنسمع ألوانا شتّى من النزاع والشتم للأبناء، ونُسارع إلى غلق مكبرات الطلاب، لئلا يظهر شيئا للملأ، إلّا أنّ هذه الشتائم تُصبح لازمة لسانية يتناقلها الأبناء عن الآباء وينشرونها كوباء عند أصحابهم في المدرسة والحارة. 


قضية القول، ليست وليدة اليوم والبارحة، بل فصّلها القرآن وأعطاها حقها تهذييا وتنبيها.

فقد حكى لنا قول القائلين:"‏{ ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول}، انظر كيف يستصغر الإنسان معصية القول، وتغريه سلاسة لسانه وسهولة نطقه، فيُحدّثُ نفسه - لا الملأ- مُقدّما لها الأعذار في طبق من ذهب، زاعما أنها كلمة خاطفة لا تضر.

{لولا يعذبنا الله بما نقول}؟

" وهل يُكبّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم"؟ 

ألَم يُهذّب الله هذه الجارحة آمرًا﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقولوا قَولًا سَديدًا﴾. 

انظر كيف ربط سبحانه بين التقوى - التي هي منال العباد- وبين القول السديد. 

{وقولوا للناس حُسنًا}، فما بالنا نقول للناس سوءًا وشرّا وننشرُ ثقافة الشتم والسب ونجعلها منهج حياتنا وأصل أيامنا، والله يُريد أن يُطهرنا من كُل نتفة سوء لنصل إلى الكمال الإنساني، إلى خُلق القرآن؟ 

أنتَ تستحق الأسمى، فاعزم في أيام رمضان أن تتخلص من فحش القول والسباب والتنابز بالألقاب استجابة لأمر الله، واستكمالا لنور الله بداخلك، وسعيا نحو التقوى. 

وقُل لنفسك، لن أبرح حتى أُطهرك - بإذن العزيز الحكيم-. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بين طوفان ونفق

         بين طوفان ونفق يسيل طوفان من الدمع من أعيني الخائفة المترقبة وأنا لا أكاد  أغفو متمتمة بدعاء الاستوداع لأهل غزة، حتى يبدأ الرعب يطا...